مصر، إسرائيل ، تركيا ، إيران والسعودية كقوى اقليمية في منطقة الشرق الأوسط

بقلم : د. ليلى الهمامي
استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن
في السياسة عدوّ عدوّي ليس بالضرورة صديقي:
بعد الحرب الأخيرة التي دارت في الشرق الأوسط ، يبزر بوضوح تصنيف القوى الإقليمية التي تسعى الى فرض مصالحها ضمن الصراع الدائر من أجل الهيمنة وهي: إسرائيل تركيا إيران السعودية ومصر.
أما التصنيفات المتسرعة وسيئة النية فعبثا تحاول اقناعنا بأن الانظمة في الشرق الاوسط تنقسم الى انظمة ثورية وانظمة عميلة.
فبالنسبة للجماعة مثلا، أردوغان ثوري، تماما كنظام الملالي في ايران… في حين أن الانظمة العربية كلها عميلة ( والقصد السعودية ومصر ).
هذا التصنيف لا يستقيم لامر بسيط: أن اردوغان مطبّع أصلاً وجهرا ولم يكن في أي مناسبة، حتى الاخيرة، على خط مواجهة مع إسرائيل نصره لغزة. وهو المستفيد الأول والرئيسي من العقوبات المتسلطة على إيران و المستفيد الوحيد من الحرب الروسية الاوكرانية.
نعود إلى تصنيفنا القوى الاقليمية في المنطقة : مصر إسرائيل تركيا إيران السعودية …
* أولا النظام المصري الذي خاض كل الحروب العربية ضد اسرائيل، يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية بنيوية من أجل الاستمرار في ظرف دقيق… ورث التطبيع عن عهد السادات ولم تبادر القيادة الاخوانية للربيع المصري تحت رئاسة مرسي بقطع العلاقات مع اسرائيل وطرد السفير بل ان حركة حماس تقبل بالدور المصري وفاوضت من خلال وساطته السنين الطوال ولم تطعن في مشروعيته.
* اما السعودية فتمثل قوة ناعمة وهي بصدد الاعداد والاتجاه بخطى حديثة نحو مرحلة ما بعد البترول وقطعت بفضل قيادتها كل المكبلات التي كانت تعيق تقدمها. فالسعودية اليوم ورشة مفتوحة لاعادة الهيكلة والبناء.
* إسرائيل دولة حرب يقتلها السلام. إسرائيل تراهن على القوى العنيفة في المنطقة، أي قوى عنيفة لتبرير استمرار وجودها كدولة حرب. وما اقترفته في غزه جريمة فضيعة سوداء ضد الانسانية جريمة ابادة متواصلة تجعل من قيادتها قيادة مجرمة وارهابية.
* اما ايران فهي نظام استبدادي مغلق معادي لحقوق الانسان ولجميع الحريات، يراهن على التسلّح كبرنامج مركزي، مشروعها توسعي على حساب البلدان العربية.
إذًا ليس الموضوع موضوع عاطفة كما نرى، وليس الامر على تلك الشاكلة التي تقدّم عدوّ عدوّي على أنه صديقي. فاذا كان عدوّي قد استهدفني ليستولي على أرضي فان عدوّ عدوّي يخطط لقتلي فلن احتفل به الا متى كنت مجنونه وفاقده للصواب…
في ظل التحولات الدولية العنيفة، يصبح حفاظ دولة على وحدتها وسلامة مواطنيها واراضيها انجازا عظيما امام مخططات التقسيم والتجزئة التي تسعى القوى العظمى الى تنفيذها في سياق ديناميكية تقسيم مناطق النفوذ واعادة توزيعها كغنيمة حرب…
إن كل مغامرة غير محسوبة النتائج والعواقب لا يمكن أن تقود الا الى أقصى الهزائم وأمرّها فالصين مارد في حالة استرخاء يراقب العالم بعين واحده لا يمكن كما قلت سابقا أن نراهن على تدخله أبداً وبأي شكل من الاشكال.
أما روسيا فقايضت سوريا مقابل مناطق النفوذ في أوكرانيا وهي تسعى الى ايجاد منفذ الى البحر من خلال الشرق الليبي… وعليه فان تورطها على الجبهة الاوكرانية يمنعها من دخول مغامرة عسكرية جديدة.
لذلك لم يكن الرئيس بوتين الا ليقترح الوساطة في المواجهة بين اسرائيل وايران.
إن السياسة الواقعية ليست شعارات ومزايدات، بل معادلات ومصالح وقدرات واهداف… لو مُنِحت مصائر دول للمراهقين المزايدين لتحولت بلداننا الى ركام من الخراب …
حفاظ السيسي على سلامة ترابه وأمن مواطنيه وعلى موقع بلاده في المعادلة الاقليمية أمر لا يستهان به وإنجاز يتجاوز كل رؤية مغامرة وكل فكر هستيري… هذا دون تفصيل القول في حيثيات السياسة المصرية.
إن بناء القوة العربية عمل يحتاج الى الكثير من الصبر والمثابرة والتخطيط والعمل بعيدا عن عنتريات الخطاب الثورجي الأجوف.
ولعل مواجهة تيارات التخلف والرجعية المكبلة لقوى الحياة داخل المجتمعات العربية من المهام الاكيدة المطروحة على قوى التقدم والجبهات الوطنية الحية….
نعم ! يمكن للعرب الاستفادة من التناقضات الدولية … نعم ! في إمكان العرب الاستفادة من التقدم العلمي وما يتيحه من فرص حقيقية لبناء الذات. لكن، لا يجوز بأي حال من الأحوال المقامرة بالمكاسب في لعبة شبيهة بلعبه البوكر الكاذب.