لجنة آثارنا تطالب بعودة رأس نفرتيتي لزيارة لمصر

لجنة آثارنا التابعة للمركز الثقافي المصري الألماني بألمانيا برئاسة نهلة سليم تطالب المتحف المصري في برلين بالسماح بزيارة رأس نفرتيتي إلى وطنها الأم لتزين المتحف المصري الجديد

الجميلة أتت… فهل تعود؟

من المصادفات المعبرة أن اسم الملكة المصرية “نفرتيتي” يعني “الجميلة أتت” — وكأن الزمن أراد أن يجعل من كل ظهور لها حدثًا، ومن كل مكان تزوره مشهدًا يهمس فيه الناس: “لقد أتت الجميلة”.

لكن الجميلة، التي أبهرت العالم بجمالها وأناقتها، ما زالت غائبة عن وطنها. رأس الملكة نفرتيتي، أحد أهم رموز الحضارة المصرية القديمة، ما زال يُحتجز داخل المتحف المصري في برلين، منذ إخراجها من مصر عام 1912 في ظروف لا تزال محل جدل تاريخي وأخلاقي.

وفي هذا السياق، وفي الثالث من يوليو من الشهر الجاري ، تم توجيه دعوة رسمية إلى لجنة اعادة اثارنا التابعة للمركز الثقافي والإعلامي المصري-الألماني بألمانيا لإجراء لقاء مع مديرة المتحف المصري في برلين، الأستاذة الدكتورة فريدريكه زايفريد.

تكوّنت اللجنة من:
• السيدة الاستاذة نهلة سليم – رئيس مجلس ادارة المركز الثقافي المصري الالماني ورئيس مجلس ادارة شركة BOM للتجارة الدولية والمعادن ،
• الأستاذ الدكتور أحمد عبد الكريم – أستاذ الأعصاب والطب النفسي بمستشفى جامعة توبنغن، وعضو المركز الثقافي
السيد الدكتور : بشير يوسف : مستشار في شئون اللاجئين والمهاجرين في الحكومة الالمانية والمترجم المحلف
لدي المحاكم والسفارات
والاستاذه : هند القرشي المذيعه بالأعلم الالماني و المستشار الإعلامي للمركز الثقافي
السيد ا: مهاب زيكينج عضو مجلس ادارة شركة BOM للتجارة الدولية والمعادن وعضو مجلس ادارة المركز الثقافي

في بداية اللقاء، قدّمت السيدة نهلة سليم نبذة تعريفية عن المركز، موضحة أنه تأسس قبل أكثر من عشر سنوات، ويهدف إلى تقديم الثقافة والحضارة المصرية الفريدة للجمهور في ألمانيا من خلال تنظيم فعاليات ثقافية مستمرة ونشر محتوى إعلامي يعرّف بتاريخ مصر وحضارتها، ويصل إلى جمهور دولي واسع.

من القضايا التي تناولها اللقاء، وأكثرها حساسية واهتمامًا لدى الرأي العام المصري، كانت قضية تمثال رأس نفرتيتي. وأكدت اللجنة أن هذا الاهتمام الشعبي لا ينبع فقط من قيمته الفنية، بل من دلالته الرمزية العميقة لدى المصريين، الذين يرونه امتدادًا حيًا لهويتهم التاريخية.

في الوقت ذاته، حذّرت اللجنة من تصاعد الخطاب الإعلامي غير المنضبط، والذي يفتقر أحيانًا إلى أسس علمية، مشيرة إلى وجود معلومات مغلوطة تُتداول في منصات التواصل، مما يُسبب بلبلة وشحنًا عاطفيًا غير منتج. وأشارت اللجنة إلى مثال واضح يتمثل في عريضة إلكترونية تهدف إلى جمع مليون توقيع لاستعادة الرأس، وهي مبادرة لا تستند إلى مسار قانوني واضح، بل تساهم أحيانًا في تشويش الرؤية الواقعية للقضية.

وانطلاقًا من خبرة أعضاء اللجنة ومعيشتهم بين الثقافتين المصرية والألمانية، شددوا على أن النظر إلى هذه المسائل من منظورٍ واحد أو انفعالي فقط لا يخدم القضية، مؤكدين أن المركز الثقافي كمؤسسة مجتمع مدني ذات طابع ثقافي عابر للحدود، يرى من واجبه الوطني والثقافي أن يتعامل مع هذه القضايا بمسؤولية، ومهنية، ووعيٍ بالواقع السياسي والثقافي في البلدين.

بعد هذا التقديم، انتقل النقاش إلى ملف نفرتيتي مباشرة، حيث دارت محادثة صريحة مع البروفيسورة فريدريكه زايفريد، مديرة المتحف، التي استعرضت بدورها الحرص الكبير الذي تُعامَل به رأس نفرتيتي. وقد ذكرت أن التمثال، عندما نُقل من مكان إلى آخر داخل ألمانيا، استغرقت العملية ست ساعات كاملة حفاظًا على سلامته، وهو ما يدل على وعي الطرف الألماني بقيمة الأثر.

بعد ذلك، سلّمت اللجنة إلى إدارة المتحف مذكرة رسمية باسم المركز الثقافي المصري الألماني، تتضمن اقتراحًا بأن تقوم رأس الملكة بزيارة مؤقتة إلى وطنها الأم، مصر، كي يتمكن أكثر من 120 مليون مصري من رؤيتها، والتواصل معها في سياقها التاريخي الطبيعي، داخل متحفها الوطني الجديد.

“نحن لا ننكر فضل ألمانيا في الحفاظ على الأثر، بل نُقدّر ذلك. ولكننا نؤمن أن الشعب الألماني، الذي ساعد البشرية في كثير من المجالات، لن يبخل بالسماح لحجر كريم مثل نفرتيتي أن يزور بلده ولو مرة واحدة”، كما جاء في نص المذكرة.

وقد أوضحت اللجنة أن المتحف المصري الكبير في الجيزة، المُجهز على أعلى مستوى دولي، هو المكان الأنسب لعرض رأس نفرتيتي، خاصة أن على رأس إدارته اليوم الأستاذ الدكتور أحمد غنيم، المدير العام للمتحف، والذي تربطه علاقة مهنية وثيقة بالمركز الثقافي المصري الألماني منذ سنوات. فقد كان د. غنيم يشغل سابقًا منصب المستشار الثقافي الرسمي لمصر في برلين، وخلال تلك الفترة تواصل بشكل مباشر مع المركز الثقافي المصري الألماني وقدم دعمًا مستمرًا لتعاون المؤسسات المصرية في ألمانيا مع متحف برلين، مما يعزز جسور التعاون بين الجاليات المصرية في الخارج ومؤسسات التراث في مصر. وقد عبّر دومًا عن دعمه للجهود التي تربط المصريين في الخارج بتراثهم الحضاري الأصيل، ولا شك أنه سيكون من أوائل المرحّبين بزيارة نفرتيتي إلى المتحف الكبير، في حال تحقق ذلك.

هذه الزيارة، بتفاصيلها الهادئة وحوارها المباشر، تركت انطباعًا عميقًا لدى مديرة المتحف، د. فريدريكه زايفريد، التي أدركت من خلالها أن الآثار المصرية الموجودة في الخارج بطرق غير مشروعة ليست منسية، وأن لها أبناءًا في الخارج يتحركون بمسؤولية ووعي، من أجل معالجة هذه الملفات بالحوار والطرق الودية التي تحترم القانون وتُراعي العلاقات الثقافية المتبادلة.

وأكدت اللجنة أن اقتراح تنظيم زيارة مؤقتة لرأس نفرتيتي إلى مصر لا يهدف فقط إلى تمكين المصريين من رؤية إرثهم، بل يمثل خطوة أولى نحو حل العديد من القضايا المفتوحة المتعلقة بالآثار المصرية في الخارج. هذه القضايا التي يستغلها البعض إما للظهور الإعلامي أو لإثارة الجدل دون دليل أو حق قانوني واضح، وغالبًا ما تتحول من قضايا حضارية إلى أدوات للتشويش والتشكيك.

أما الرؤية التي طرحتها اللجنة فهي لا تسعى إلى إخماد هذه الملفات أو تجميدها، بل إلى تحريكها ضمن مسار محترم يخدم الحقيقة، ويراعي مصالح الطرفين، ويعيد الأمور إلى نصابها بروح الشراكة الحضارية.

فهل نرى يومًا الطائرة تهبط في القاهرة، والجميلة تطل من بوابة المتحف؟
هل نسمع صوت الشعب يقول: “لقد عادت الجميلة إلى بيتها”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى