اليوم العالمي للشباب 2025

بقلم المستشار خالد السيد

مع إشراقة يوم الثاني عشر من أغسطس 2025، تتجه أنظار العالم ومصر للاحتفال باليوم العالمي للشباب، وهو مناسبة لا تقتصر على التكريم الرمزي، بل تمثل محطة هامة لتقييم السياسات وقياس أثرها في تمكين الجيل الذي يمثل الحاضر والمستقبل. وفي مصر، التي يشكل فيها الشباب تحت سن الثلاثين ما يزيد على 60% من تعدادها السكاني، يكتسب هذا اليوم بعدًا استراتيجيًا خاصًا، حيث يُنظر إلى هذه الكتلة الديموغرافية الهائلة ليس كتحدٍ، بل كأثمن مورد تمتلكه الدولة لتحقيق طفرتها التنموية الشاملة. لم يعد التعامل مع ملف الشباب في مصر يقتصر على برامج متفرقة، بل أصبح جزءًا لا يتجزء من استراتيجية الدولة العليا، وتحديدًا “رؤية مصر 2030” بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. تدرك القيادة السياسية أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبناء اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة، وتعزيز العدالة الاجتماعية، يعتمد بشكل أساسي على سواعد وعقول الشباب. من هذا المنطلق، تحولت السياسات من مجرد الرعاية إلى التمكين الفعلي، عبر فتح مسارات للمشاركة وتولي المسؤولية. على مدار العقد الماضي، أطلقت الدولة المصرية حزمة من المبادرات النوعية التي شكلت جسورًا حقيقية لعبور الشباب نحو مواقع التأثير وصناعة القرار. وتأتي الأكاديمية الوطنية للتدريب على رأس هذه المبادرات، كبوتقة لصهر الكفاءات الشابة وتأهيلها وفقًا لأحدث المعايير الدولية لتولي المناصب القيادية في الجهاز الإداري للدولة والقطاع الخاص. وينبثق عنها برامج طموحة مثل البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة (PLP)، الذي خرّج دفعات من الشباب أصبح العديد منهم نوابًا للوزراء والمحافظين ومعاونين لهم، مما يمثل تغييرًا جذريًا في آليات تصعيد الكفاءات. ولم يقتصر التمكين على النخبة، بل امتد ليشمل القاعدة العريضة من الشباب عبر المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”، التي لا تهدف فقط لتطوير الريف المصري، بل أصبحت أكبر منصة للعمل التطوعي في تاريخ مصر الحديث، حيث يقود الشباب المتطوع جهود التنفيذ والمتابعة على الأرض، مما يعزز لديهم قيم الانتماء والمسؤولية المجتمعية. إيمانًا بأهمية الحوار وتلاقي الثقافات، تحول منتدى شباب العالم الذي تستضيفه مصر سنويًا إلى علامة دولية بارزة. لم يعد المنتدى مجرد حدث، بل أصبح منصة دائمة تتيح للشباب المصري التفاعل مع نظرائهم من مختلف أنحاء العالم، وطرح رؤاهم ومبادراتهم في قضايا عالمية ملحة مثل التغير المناخي، والتحول الرقمي، وريادة الأعمال، مما يساهم في صقل شخصياتهم وتقديم صورة مشرقة عن مصر الجديدة. رغم هذه الجهود، يظل الطريق أمام شباب مصر حافلاً بالفرص والتحديات. ففي عام 2025، تبرز الحاجة الماسة إلى مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل المتغيرة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر، والتحول الرقمي. وهنا، يأتي دور الدولة في تشجيع ريادة الأعمال وتوفير بيئة داعمة للشركات الناشئة، وتقديم حوافز للشباب للانخراط في مجالات الإنتاج والتكنولوجيا، ليكونوا قاطرة الاقتصاد المصري نحو المستقبل. إن اليوم العالمي للشباب في عام 2025 هو بمثابة دعوة متجددة للدولة والمجتمع المصري لمواصلة الاستثمار في طاقات شبابه، ليس فقط بالتدريب والتأهيل، بل بمنحهم الثقة الكاملة، وإفساح المجال أمامهم للابتكار والقيادة. فالرهان الحقيقي لمصر يكمن في قدرتها على تحويل ثروتها الديموغرافية إلى طاقة إبداعية خلاقة، تقود مسيرة بناء “الجمهورية الجديدة” وتضمن لها مكانة لائقة بين الأمم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى