الصبر القانوني… أقوى من أي حكم مؤقت

بقلم المستشارة هدى الخضراوي
في عالم القانون لا يقاس الحق فقط بما تنص عليه المواد واللوائح بل بما يصر صاحبه على المطالبة به حتى آخر نفس فالحق وإن كان قديمًا في الزمن يظل حيًا في أوراقه ومستنداته وشهوده وإرادة صاحبه وهناك من يظن أن مرور الوقت كفيل بإطفاء جذوة المطالبة لكن أصحاب الحق يعرفون أن الوقت إذا أحسنوا استثماره يصبح في صفهم
بين التقادم الزمني والتقادم المعنوي
التقادم الزمني هو أداة تشريعية تحدد فترة معينة لسقوط الحق في المطالبة القضائية به لكن التقادم المعنوي لا وجود له في القوانين هو فقط يحدث عندما يقرر صاحب الحق أن يستسلم أو يضعف أو يترك مساره القانوني المحامي الواعي يعرف أن الورقة المحفوظة جيدًا والمطالبة المستمرة هما خط الدفاع الأول ضد سقوط الحق والورقة المحفوظة الموقعة المؤرخة لا تشيخ وقد يراهن البعض على ضياع المستند أو تلفه لكن هناك من يعرف كيف يحفظ ملفه وكأنه أمانة عمره ومستند واحد قد يسقط رواية كاملة بعبارة واحدة
المستندات السلاح الصامت
المستندات ليست مجرد أوراق بل هي الصندوق الأسود للقضية وفي لحظة معينة قد تتحول ورقة واحدة إلى دليل قاطع يغير مسار الحكم وهنا تظهر أهمية الحفظ المنهجي والتوثيق المتقن وعدم التنازل عن أي مستند مهما بدا بسيطًا
الإجراءات ليست ترفًا
كل إجراء يتم حتى وإن بدا صغيرًا هو لبنة في جدار الدعوى ومن يستهين بالإجراءات يكتشف متأخرًا أن الملف اكتمل ضده وهو لا يدري
المطالبة المستمرة حضور في الذاكرة القانونية
عندما يبقى صاحب الحق حاضرًا يذكر ويطالب ويثبت موقفه كتابة ورسميًا فهو يزرع في الملف أثرًا لا يمكن تجاهله فالقاضي مهما كان موقفه لا يستطيع أن يغفل عن المطالبات المتكررة المدعومة بالأدلة
الخصم الحقيقي هو اليقين
من يواجهك في ساحة القانون ليس الشخص أمامك فقط بل يقينك الداخلي بأنك على حق وأنك لن تتنازل وهذا اليقين إذا اجتمع مع دليل قوي يصير خصمًا لا يهزم
الخلاصة
القضايا لا تحسم بالسرعة التي نتمنى لكن الصمود القانوني وحسن إدارة الملف والاحتفاظ بالأدلة يظل الطريق الأكثر أمانًا نحو تحقيق العدالة فالحقوق لا تشترى بالمجاملة ولا تباع بالخوف ولا تسقط بالصمت ومن ظن أن الصبر ضعف فليترقب اللحظة التي يفتح فيها الملف أمام القاضي ليدرك أن كل تأخير لم يكن إلا زيادة في قوة الموقف فالحق لا يضيع إلا إذا تركه صاحبه وأنا كمحامية أعلم أن كل خطوة محسوبة وكل ورقة في مكانها وأن النهاية مهما تأخرت هي كلمة حق تثبت في التاريخ