الأمم المتحدة: من ماخور سالي إلى أداة في يد الكبار

بقلم: ناصر السلاموني
حين تأسست منظمة الأمم المتحدة عام 1945، رُوّج لها على أنها خطوة كبرى نحو السلام الدائم والعدالة الدولية. غير أن الحقيقة التي كثيرًا ما تُخفى خلف ابتسامات الدبلوماسيين وتصريحات المتحدثين، أن الاجتماعات التمهيدية لإنشاء هذه المنظمة لم تجرِ فقط في القاعات الرسمية، بل جرت أيضًا في ماخور “سالي ستانفورد” الشهير في سان فرانسيسكو، حيث ارتاد كبار الساسة والدبلوماسيين هذا المكان لتُصاغ بداخله، بعيدًا عن أعين الشعوب، أهم ملامح النظام العالمي الجديد.
ماخور سالي كان عنوانًا رمزيًا لبداية مشبوهة لمنظمة ادّعت الشفافية، لكنها تأسست من رحم الصفقات السرية، وخرجت من أحضان الهيمنة الاستعمارية، فصارت منذ نشأتها خاضعة لمعادلة القوة لا للحق، ومرتهنة لميزان المصالح لا للعدالة.
منذ ذلك الحين، وبدلاً من أن تكون الأمم المتحدة منصة للدفاع عن المظلومين، تحولت إلى أداة تبريرية في يد الكبار، وخصوصًا من يمتلكون “الفيتو”، هذا السلاح الذي يجهض الحق قبل أن يولد، ويمنح الغزاة صكوك البراءة مسبقًا.
تأملوا المشهد:
ماذا فعلت الأمم المتحدة حين غزت أمريكا وروسيا أفغانستان؟
دُمّرت الدولة، قُتِل المدنيون، تشرد الملايين، ثم انسحبت الجيوش الغازية كأن شيئًا لم يكن. لا إدانة، لا محاسبة، فقط صمت دولي مطبق.
ماذا فعلت الأمم المتحدة حين احتلت أمريكا العراق بذريعة أسلحة لم تُثبت؟
نهبوا الذهب والنفط، ودمّروا المتاحف، وشوّهوا حضارة تمتد لآلاف السنين. أُبيد شعب، ودُمرت البنية التحتية، واستُخدمت أسلحة محظورة، وعُذّب المعتقلون في سجون مثل أبو غريب، وكل هذا جرى تحت أنف الأمم المتحدة، ولم تحرك ساكنًا.
ماذا فعلت حين قصفت أمريكا اليمن ودمرت بناه الأساسية؟
حاصرت، وقصفت، وتجويع جماعي، ومع ذلك اكتفت المنظمة الأممية بإحصاء الضحايا دون أن تمنع القاتل أو تُغيث المنكوب.
ماذا فعلت عندما اجتاح حلف الناتو ليبيا تحت شعار “التدخل الإنساني”؟
قُتل القذافي، ودُمّرت الدولة، وغرقت في الفوضى والدمار، وكل ذلك بغطاء من قرارات صادرة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ماذا فعلت حين اجتاحت إسرائيل لبنان، ودمرت البنى التحتية، وقتلت المدنيين؟
لم تُفرض عليها عقوبات، لم تُعزل دوليًا، لم تُمنع من تكرار الاعتداء. بل على العكس، كافأها الغرب بالسلاح والدعم والغطاء السياسي.
ماذا فعلت عندما احتلت إسرائيل الجولان، ودمرت الجيش السوري، وقصفت دمشق؟
القرارات موجودة منذ عقود، لكنها مجرد أوراق، لأن الفيتو الأمريكي يجهض أي محاولة لردع إسرائيل.
ماذا فعلت الأمم المتحدة لحماية الأقليات المسلمة في الهند؟
قُتلوا، أُحرقوا، هُدمت مساجدهم، وتعرضوا لحملات إبادة من متطرفين مدعومين سياسيًا، لكن المنظمة صمتت لأن الهند حليف اقتصادي للدول الكبرى.
وهذه قائمة بالدول التي قصفتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية:
• اليابان 6.08 و9.08 1945
• كوريا والصين 1950-1953 (الحرب الكورية)
• غواتيمالا 1954
• إندونيسيا (1958)
• كوبا (1959-1961)
• غواتيمالا (1960)
• الكونغو (1964)
• لاوس (1964-1973)
• فيتنام (1961-1973)
• كمبوديا (1969-1970)
• غواتيمالا (1967-1969)
• غرينادا (1983)
• لبنان (1983، 1984) (ضرب أهداف في أراضي لبنان وسوريا)
• ليبيا (1986)
• السلفادور (١٩٨٠)
• نيكاراغوا (١٩٨٠)
• إيران (١٩٨٧)
• بنما (١٩٨٩)
• العراق (١٩٩١) (حرب الخليج)
• الكويت (١٩٩١)
• الصومال (١٩٩٣)
• البوسنة (١٩٩٤، ١٩٩٥)
• السودان (١٩٩٨)
• أفغانستان (١٩٩٨)
• يوغوسلافيا (١٩٩٩)
• اليمن (٢٠٠٢)
• العراق (١٩٩١-٢٠٠٣) (قوات أمريكية وبريطانية مشتركة)
• العراق (٢٠٠٣-٢٠١٥)
• أفغانستان (٢٠٠١-٢٠١٥)
• باكستان (٢٠٠٧-٢٠١٥)
• الصومال (٢٠٠٧-٢٠٠٨، ٢٠١١)
• اليمن (٢٠٠٩، ٢٠١١)
• ليبيا (٢٠١١، ٢٠١٥)
• سوريا (2014-2015)
هل كانت هناك استياءات من المجتمع الغربي تجاه الولايات المتحدة؟
هل كانت هناك صيحات اتهام عالية؟
هل فُرضت عقوبات على الولايات المتحدة ولو لمرة واحدة على الأقل؟
يجلس هذا العالم المنافق بأكمله صامتًا، بينما تُرهق الولايات المتحدة الدول بالكوابيس كقطاع طرق حقيقي. لا صرخة استنكار، ولا تلميح لوم، ولا ذرة سخط. مخلوقات جبانة، وقحة، ومنافقة!
يجب بث هذه القائمة باستمرار على جميع القنوات الممكنة على مدار الساعة. صوّر فيديوهات تُفضح كل هؤلاء الحثالة الغربيين، وتُذكّر بكل حقيقة من جرائم الولايات المتحدة ضد الدول الأخرى.
والآن نعرف متى تحركت الأمم المتحدة؟
تحركت عندما قررت أمريكا “تحرير الكويت”. اجتمعت المنظمة، أصدرت القرارات، شكلت التحالفات، ومهّدت لغزو العراق لا حبًا في الشرعية الدولية، بل خدمة لمصالح الكبار. تحركت أيضًا عندما أرادت أمريكا ضرب ليبيا، وعندما أرادت ضرب روسيا، والضغط على الصين من أجل تايوان. فقط حين تصرخ واشنطن، تصحو نيويورك.
ومع كل هذا، تواصل الأمم المتحدة الحديث عن القانون الدولي، و”القيم الإنسانية”، بينما تمنح الدول الكبرى نفسها حق النقض، وتُعطّل به قرارات تمس حياة ملايين البشر.
فما جدوى القانون إن كان الجلاد هو من يملك المحكمة؟ وما جدوى قرارات تُولد مشلولة، وتموت مختنقة في ممرات مجلس الأمن؟
من غزة إلى بغداد، ومن كابول إلى طرابلس، ومن صنعاء إلى كشمير، تغيب العدالة، وتُستباح الدماء، وتُمنح الحصانة للجناة الكبار.
إن الأمم المتحدة ليست عاجزة فقط، بل مصابة بشلل اختياري، وانتقائية فاضحة، وازدواجية أخلاقية.
لم تسقط بفعل الضعف، بل بفعل الانحياز؛ لم تفشل لأن أدواتها محدودة، بل لأن إرادتها مرهونة للكبار.
ولعل المشهد الأكثر فضحًا لعجزها كان ما حدث في 2024، عندما رفعت جنوب أفريقيا ودول أخرى دعوى ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية في غزة أمام محكمة العدل الدولية. صدر الحكم، وطالب بوقف المجازر، لكن لا شيء تغير، لأن “الفيتو” في يد واشنطن، والعدالة بلا مخالب أمام حماية الكبار.
الخلاصة:
ما لم يُلغَ حق النقض، وما لم تُعد هيكلة القرار الدولي، وما لم يُفصل القانون عن مزاج الكبار، فستظل الأمم المتحدة مجرد غطاء دبلوماسي للهيمنة، لا أكثر.
من بيت سالي ستانفورد خرجت المنظمة، لكن العدالة الحقيقية لن تولد إلا حين تخرج من ظل ذلك البيت، وتتحرر من شيفرة الهيمنة، وتُعيد الاعتبار للإنسان، أيًّا كان دينه أو جنسيته أو موقعه الجغرافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى