د.أحمد شندي يكتب: صناعة الإعلام محور تقدم الدول

د.أحمد شندي

تُعدّ صناعة الإعلام واحدة من أهم الصناعات الاستراتيجية في العالم الحديث، لما لها من تأثير بالغ على تشكيل الرأي العام، وتوجيه المجتمعات، وصياغة الوعي السياسي والثقافي. ومع تطور التكنولوجيا وظهور وسائل الإعلام الرقمي، تحولت صناعة الإعلام من مجرد وسيلة لنقل الخبر إلى أداة فاعلة في التوجيه والتغيير.

أولاً: تعريف صناعة الإعلام
صناعة الإعلام تشمل جميع الأنشطة والمؤسسات التي تنتج وتوزع المحتوى الإعلامي، سواء عبر التلفزيون، الراديو، الصحف، المجلات، أو الإنترنت. وتشمل أيضًا قطاعات الدعاية، العلاقات العامة، وصناعة الترفيه.

ثانيًا: عناصر صناعة الإعلام
1. المحتوى: يشمل الأخبار، البرامج، المقالات، والإعلانات.
2. الوسائل: المنصات التي تُنشر من خلالها مثل القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية.
3. الجمهور: المتلقي الذي يُصمم المحتوى ليلائم اهتماماته وتوجهاته.
4. التمويل: عبر الإعلانات، الاشتراكات، أو الدعم الحكومي.

ثالثًا: التحديات المعاصرة
– الانتشار الواسع للأخبار الكاذبة.
– سيطرة رؤوس الأموال على التوجهات الإعلامية.
– تراجع ثقة الجمهور في بعض الوسائل التقليدية.
– المنافسة بين الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي.

رابعًا: مستقبل الإعلام
يتجه الإعلام إلى التفاعل الذكي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، لتقديم محتوى شخصي أكثر تأثيرًا. كما يتعزز دور الإعلام المستقل في مواجهة التضليل والرقابة.

فالإعلام المصري يعيش في السنوات الأخيرة مرحلة تحول محوري تهدف إلى استعادة دوره الرائد في المنطقة العربية وتعزيز تأثيره داخليًا وخارجيًا. وقد شهدت الساحة الإعلامية المصرية عددًا من القرارات والإجراءات التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالتوازي مع جهود الهيئة الوطنية للإعلام لتطوير المنظومة الإعلامية وفق رؤية شاملة وحديثة.

دور الإعلام المصري في بناء الوعي
لطالما كان الإعلام المصري جزءًا من الهوية الثقافية والحضارية للدولة، حيث لعب أدوارًا هامة في دعم القضايا الوطنية، وتوحيد الرأي العام، ومواجهة حملات التضليل. وفي ظل التحديات الراهنة، يعمل الإعلام الوطني على مواجهة الشائعات، وتقديم محتوى توعوي يعزز الانتماء الوطني.

القرارات الرئاسية الأخيرة
أكد الرئيس السيسي في عدة مناسبات على أهمية “الإعلام الموضوعي والمسؤول”، وضرورة امتلاك الدولة لمنابر إعلامية قوية تعبر عن تطلعات الشعب. ومن أبرز التوجهات التي أعلن عنها:
– دعم الإعلام المتخصص والتنموي في ملفات مثل التعليم والصحة.
– تعزيز حرية الإعلام بضوابط مهنية، ومواجهة الإعلام الهدّام.
– ضخ استثمارات في البنية التكنولوجية للمؤسسات الإعلامية الوطنية.

تحركات الهيئة الوطنية للإعلام
برئاسة الكاتب أحمد المسلماني، أطلقت الهيئة الوطنية للإعلام عدة مبادرات، منها:
– تأسيس مركز “ماسبيرو للدراسات” ليكون ذراعًا بحثيًا وإعلاميًا متخصصًا.
– تطوير البنية التحتية الفنية في مبنى ماسبيرو، وتحديث استوديوهاته.
– إطلاق منصات رقمية جديدة تواكب العصر وتستهدف فئات الشباب.
– تدريب الكوادر الإعلامية في مجالات الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي.

وعلاوة على ذلك في السنوات الأخيرة، شهدت مصر — كما باقي دول العالم — ازدهارًا واسعًا لظاهرة “صانعي المحتوى” و”البلوجرز”، التي فرضت نفسها على المشهد الاجتماعي والإعلامي بقوة، معتمدة على المنصات الرقمية مثل فيسبوك، تيك توك، وإنستغرام. إلا أن هذا الانتشار لم يكن دومًا إيجابيًا، بل تخلله محتوى هابط، غير هادف، ومسيء أحيانًا للقيم المجتمعية.

موقف الدولة المصرية
جاء تحرك الدولة حاسمًا للحد من هذه الظواهر، من خلال:
– القبض على عدد من مشاهير البلوجرز الذين يقدمون محتوى يسيء للأسرة المصرية أو يتاجرون بالحياة الخاصة، أو يروجون لمفاهيم مرفوضة اجتماعيًا.
– تفعيل القوانين المنظمة للإعلام الرقمي، مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وقانون تنظيم الإعلام.
– دور النيابة العامة في التحقيق مع من يثبت عليهم نشر محتوى يخل بالآداب العامة، أو يتربح من خلال الإضرار بالقيم المجتمعية.

لماذا هذا التحرك؟
– حماية الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية.
– مواجهة تأثيرات الشهرة السريعة التي يتبعها استغلال وابتزاز للمجتمع.
– ضبط الفوضى الإعلامية الرقمية التي لا تخضع لأي ميثاق شرف.
– تجفيف مصادر الربح غير المشروع المبني على الإسفاف والإثارة.

الحل ليس في المنع فقط
الدولة لا تستهدف الإبداع أو حرية التعبير، بل تسعى إلى:
– تنظيم المحتوى الرقمي تحت مظلة قانونية وأخلاقية.
– تشجيع المحتوى الهادف والتنموي، وإبراز النماذج الناجحة من صناع المحتوى الإيجابي.
– رفع الوعي الرقمي لدى الجمهور، خاصة فئة الشباب، للتمييز بين المحتوى القيم والضار.

فضلا عن ذلك فالقبض على صناع المحتوى غير الهادف لا يُعد قمعًا للحريات، بل هو خطوة نحو إعلام رقمي مسؤول، يحترم وعي المجتمع المصري ويحمي شبابه من الانجراف وراء نماذج مزيفة للشهرة والنجاح.

الخاتمة
تشير هذه التحولات إلى أن الإعلام المصري يدخل مرحلة جديدة تستند إلى المهنية، التكنولوجيا، والاستراتيجية الوطنية. وهو ما يعزز قدرة مصر على مخاطبة الداخل والخارج، وتقديم نموذج إعلامي متوازن يواكب المتغيرات الإقليمية والدولية.
خلاصة القول تبقى صناعة الإعلام مرآة تعكس واقع المجتمعات وقوة تسهم في بنائها أو هدمها. لذلك، لا بد من تطويرها وفقًا لأخلاقيات المهنة ومعايير الشفافية والمصداقية، لضمان دورها الإيجابي في بناء الإنسان والمجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى