الرد الصينى على قرارات المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر بشأن إحتلال غزة بالكامل

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
جاءت متابعة الدوائر السياسية والإستخباراتية والأمنية الصينية لما تمخضت عنه قرارت ومبادئ صاردة عن (المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر) لإنهاء الحرب فى غزة، والتى شملت: نزع سلاح حركة حماس، وإستعادة جميع الرهائن سواء كانوا أحياء أو قتلى، وتجريد قطاع غزة من السلاح، والإبقاء على السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على القطاع، فضلاً عن الدعوة لإقامة حكومة مدنية فى غزة لا تخضع لسيطرة حماس ولا للسلطة الفلسطينية. وجاءت صدمة كبيرة للجانب الصينى بتصويت الأغلبية الساحقة من (المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر) لصالح هذه الخطة البديلة، معتبرين أنها تحقق أهداف الحرب كاملة بالنسبة للجانب الإسرائيلى، بما يضمن القضاء على حركة حماس وإستعادة الرهائن. وكانت الحكومة الإسرائيلية صادقت على هذا الإقتراح وتلك الخطة البديلة بعد أكثر من ١٠ ساعات من النقاش، بشأن خطة نتنياهو على المصادقة على إحتلال غزة، وذلك فى تحدى إسرائيلى واضح لموقف رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلى ذاته، والذى حذر من التبعات الأمنية والإنسانية الخطيرة لمثل هذه الخطوة.
ومن أجل ذلك، إنتقدت بكين الموقف الأمريكى القائم على إزدواجية المعايير والنفاق السياسى تجاه الفلسطينيين بعد موافقة إدارة الرئيس الأمريكى “ترامب” على تلك الخطة الإسرائيلية لضم وإحتلال قطاع غزة بالكامل بالقوة إلى الجانب الإسرائيلى. لذا، دعت وزارة الخارجية الصينية يوم الجمعة الموافق ٨ أغسطس ٢٠٢٥، الجانب الإسرائيلى إلى وقف أعمالها الخطرة داخل قطاع غزة فوراً، وذلك عقب إعلان الحكومة الإسرائيلية الموافقة على خطة رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” لإحتلال القطاع بالكامل. وإعتبرت الحكومة الصينية بأن التهجير القسرى للفلسطينيين الدائم يعد إنتهاكاً صارخاً للقانون الدولى، مع تكرار الدعوات الصينية لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وتدفق المساعدات الإنسانية للقطاع دون عوائق، ولحركة حماس المسلحة إعادة الرهائن. ووجهت الحكومة الصينية الدعوة لحل الدولتين، بإعتباره السبيل الوحيد لضمان سلام دائم وشامل ومستدام، بحيث تتعايش الدولتان الفلسطينية والإسرائيلية جنباً إلى جنب فى سلام وأمن ضمن حدود معترف بها دولياً. مع التأكيد الرسمى الصينى على مبدأ “حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين” بحيث تشكل “حكومة توافق وطنى مؤقتة تمارس الإدارة الفعالة فى قطاع غزة والضفة الغربية”، فضلاً عن الأهم بالنسبة للصين فى الدفع بنيل فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة وبدء تنفيذ حل الدولتين.
وقد إعتبر وزير الخارجية الصينى “وانغ يى”، بأن “تشكيل حكومة وفاق وطنى فلسطينية مؤقتة تعد من أبرز النقاط التى يجب التوافق عليها بين فلسطين وإسرائيل، فضلاً عن مطالبة بكين بتنفيذ أهم ما تم التوافق عليه بين جميع الفصائل الفلسطينية الأربعة عشر التى إجتمعت فى بكين، للعمل سوياً على تحقيق خطة المصالحة والوحدة الشاملة بين الفصائل الفلسطينية الأربعة عشر، وأن التأكيد على أن (منظمة التحرير الفلسطينية) هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى تعد من أكثر النتائج جوهرية بالنسبة للصينيين، كما أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة حسب القرارات الدولية تعد هى الدعوة الأقوى فى إتفاق المصالحة الفلسطينية برعاية الصين. مع الوضع فى الإعتبار، بأن هذا التأكيد الصينى على إتمام عملية المصالحة الفلسطينية يتناقض كليةً مع الطرح الإسرائيلى، كما أنه لا يحظى بتوافق من بعض القوى الدولية التى تناصر إسرائيل وتدافع عنها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وجاء بيان الخارجية الصينية، بأنه “يجب وقف خطة الحكومة الإسرائيلية للسيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة المحتل فوراً”، مع تأكيد كافة مراكز الفكر الصينية المعنية بالشرق الأوسط، فضلاً عن كافة وسائل الإعلام الرسمية الصين والدوائر السياسية والإستخباراتية والأمنية والعسكرية، بأن “مصادقة مجلس الأمن الإسرائيلى المصغر على خطة إحتلال غزة بالكامل يتعارض مع قرار محكمة العدل الدولية القاضى بضرورة إنهاء إسرائيل إحتلالها فى أقرب وقت ممكن، وتطبيق حل الدولتين المتفق عليه، وحق الفلسطينيين فى تقرير المصير”.
مع التأكيد الصينى، بأن “أى تصعيد إضافى للصراع، الذى دمر غزة وأودى بحياة عشرات الآلاف، سيؤدى إلى مزيد من النزوح القسرى الجماعى لسكان غزة، ومزيد من القتل، ومعاناة لا تطاق، وتدمير لا معنى له، وجرائم وحشية”. مع الإصرار الصينى، بأنه “بدلاً من تصعيد الصراع ينبغى على الحكومة الإسرائيلية بذل كل جهودها لإنقاذ أرواح المدنيين فى غزة من خلال السماح بتدفق المساعدات الإنسانية بالكامل ودون قيود، مع ضرورة الإفراج فوراً عن جميع الرهائن، كما أنه يجب أيضاً إطلاق سراح الفلسطينيين المعتقلين تعسفياً لدى إسرائيل”.
وهنا حذر نائب المندوب الصينى الدائم لدى الأمم المتحدة “قنغ شوانغ”، من تداعيات إحتلال إسرائيلى محتمل لقطاع غزة بأكمله، مع إصرار المندوب الصينى لدى الأمم المتحدة، بأنه “يجب أن تنتهى تلك الحرب الدائرة فى غزة الآن، ويجب السماح للجميع بالعيش جنباً إلى جنب بسلام”. وقال “قنغ شوانغ” أمام مجلس الأمن يوم الثلاثاء الموافق ٥ أغسطس ٢٠٢٥، بأنه: “نحث إسرائيل على الوقف الفورى لهذه الأعمال الخطيرة، ونطالب جميع الأطراف على التوصل فوراً إلى إتفاق ملزم ومستدام لوقف إطلاق النار، كما نحث الدول ذات النفوذ الكبير على الأطراف المعنية على التصرف بطريقة عادلة ومسؤولة وإتخاذ خطوات ملموسة للمساعدة فى تحقيق وقف إطلاق النار داخل قطاع غزة المنكوب”.
كما أعلنت جميع الدوائر العسكرية والأمنية والإستخباراتية والسياسية فى بكين، فضلاً عن تقارير مراكز الفكر الصينية المعنية بالشرق الأوسط وتقاريرها التحليلية الدائمة التى تصل لصانع القرار فى الصين، والتى ترى جميعاً، بأن الصين على قناعة تامة بأن التوترات فى منطقة الشرق الأوسط مردها ما يحدث فى غزة. وعلى ذلك، فإن معاودة إسرائيل عملياتها العسكرية مرفوضة تماماً من جانب الصين. وقد كانت بكين واضحة بعدما عاودت إسرائيل هجماتها على غزة فى التأكيد على ضرورة أن تتوقف الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فى ذلك العمليات العسكرية التى أدت إلى إخراج الآلاف من سكان المخيمات من ديارهم، خاصة فى ظل عمليات الهدم الإسرائيلى المتعمد لمنازل الفلسطينيين. مع تأكيد بكين على ضرورة توقف الإستيطان الإسرائيلى بشكل تام على الأراضى الفلسطينية، وكذلك عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين فى الضفة. وفى ظل ما يقال عن إمكانية ضم الضفة الغربية من قبل إسرائيل، فإن بكين أعادت التأكيد على معارضتها لأى عمليات ضم سواء طالت الضفة الغربية أو قطاع غزة.
مع الوضع فى الإعتبار، بأن الصين تفعل كل ما بوسعها من أجل تأييد الحقوق الفلسطينية فى مواجهة الخطط الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة قسرياً أو إعادة إحتلال غزة بالكامل أو التفكير فى ضم الضفة الغربية لإسرائيل، من خلال آلية التصدى الصينى لكافة الخطط الإسرائيلية داخل المنظمات الدولية لمحاولات وأد هذه الحقوق. وفى الوقت ذاته، تعمل الصين جاهدة على أن تكون هناك وحدة فى الصف الفلسطين. ومن ثم، فإن بكين رعت إتفاقية المصالحة بين (أربعة عشر فصيلاً فلسطينياً) فى ٢٢ يوليو ٢٠٢٤، داخل العاصمة الصينية بكين، بينما كانت الحرب فى غزة على أشدها، مع دعوة الحكومة الصينية لحركة “الجهاد الإسلامى الفلسطينى”، والتى تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها كجماعة إرهابية، إلا أن بكين تحدت تلك القرارات والسياسات الأمريكية والإسرائيلية، وقامت بدعوة جميع الفصائل الفلسطينية المتناحرة لتوحيد صفوفها جميعاً داخل العاصمة الصينية بكين، ولنبذ جميع خلافاتها وتوحيد الصف الفلسطينى فى مواجهة تلك المحاولات والخطط الإسرائيلية الرامية للقضاء على محور المقاومة الفلسطينية وتهجير سكان قطاع غزة قسرياً أو إعادة إحتلال غزة بالكامل مثلما هو الدائر الآن من قبل الحكومة الإسرائيلية بقيادة “نتنياهو”. ومن هذا المنطلق، فإن الصين تذهب إلى أن المصالحة الفلسطينية الداخلية بالغة الأهمية لقضية إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما أكده نائب مندوب الصين الدائم فى الأمم المتحدة في شهر أكتوبر ٢٠٢٢، وهو الشهر الذي كانت الفصائل الفلسطينية قد توصلت فيه إلى إتفاق فى دولة الجزائر، وهو ما رحبت به الصين، معتبرة أنه يصب فى صالح تعزيز الوحدة الفلسطينية الداخلية ودفع محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولعل أبرز ما يجب أن نلفت النظر والإنتباه إليه تحليلياً، هو بأن رعاية الصين لإتفاق المصالحة بين جميع الفصائل الفلسطينية الأربعة عشر داخل العاصمة الصينية بكين، يلاحظ أنه قد جاء بعد خمسة أيام فقط من إتخاذ الكنيست الإسرائيلى قراراً بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية، وقبل يوم من إلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” لخطابه فى الكونجرس الأمريكى، والذى لم يأت على أى حديث حول عملية السلام. ولعل العنوان الذى تناولت فيه صحيفة “واشنطن بوست الأمريكية” لموضوع المصالحة الفلسطينية فى بكين، كان لا يخلو من دلالة سياسية هامة على هذا الصعيد، عندما وصفت الصحيفة الأمريكية الأمر، بأنه محاولة واضحة من الصين للقيام بدور الوسيط العالمى فى مواجهة واشنطن، وهذا أمر غير مقبول من وجهة نظر الأمريكان كما هو مفهوم تماماً.
وبناءً على التحليل السابق، نفهم الموقف الصينى الرافض لتغيير الوضع فى قطاع غزة بالقوة، وبأنه لن يؤدى إلى السلام بل إلى مزيد من الفوضى، مع الإصرار الصينى على الوقف الشامل لإطلاق النار وإحترام مبدأ الفلسطينيون يحكمون فلسطين فى إطار حل الدولتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى