الأمن السيبراني في مصر .. عامل أساسي فى نجاح أى استثمارات أو مشروعات

مع دخول الاقتصاد المصري مرحلة التحول الرقمي المتسارع، واندماج التكنولوجيا في كل تفاصيل النشاط التجاري والصناعي والخدمي، لم يعد الأمن السيبراني مجرد ملف تقني يخص قسم تكنولوجيا المعلومات، بل تحول إلى ركيزة أساسية في معادلة الربح والخسارة، فالهجمات الإلكترونية التي كانت تُعد أمرًا نادر الحدوث، أصبحت اليوم خطرًا اقتصاديًا يوميًا يهدد الشركات المصرية، من البنوك والمؤسسات المالية، إلى شركات التجارة الإلكترونية والمصانع والمستشفيات.
تهديدات رقمية بتكلفة اقتصادية عالية
قال تقرير حديث إن نحو 97% من الشركات فى مصر يعتمدون على منظومات أمنية من مزودى الخدمات، على الرغم من تنوع حلول الأمن السيبرانى، وهو ما يسبب أعباء تشغيلية ومالية، بحسب بحثٍ حديث لكاسبرسكى.
ولا تزال معظم الشركات تُفضل الاعتماد على حلول أمنية من مزودين متعددين، بصرف النظر عن هذه التحديات المتواصلة؛ إذ تدير 79% من المؤسسات أمنها السيبرانى بالاعتماد على مزودين مختلفين. ومن اللافت للاهتمام أنّ 35% من تلك المؤسسات تعتقد أن مزودًا واحدًا لحلول الأمن السيبرانى قادر على تلبية احتياجاتها كافة، مما يدل على قناعة متزايدة لإيجاد حل أمنى موحد. ومع ذلك، لا يتبع نهج المزود الواحد إلا 32% من تلك المؤسسات، مما يعكس حذرها العام ومخاوفها من الاعتماد الكلى على مزود أمنى موحد، أو المخاطر الأمنية المحتملة جراء الارتباط بمزود واحد فقط.
وتشير تقديرات خبراء الأمن السيبراني في مصر إلى أن تكلفة أي هجوم إلكتروني ناجح على شركة متوسطة الحجم يمكن أن تصل إلى ملايين الجنيهات، تشمل توقف الإنتاج، تعويض العملاء، وفقدان فرص استثمارية. وفي بعض القطاعات، مثل البنوك، قد تؤدي هذه الخسائر إلى تأثيرات أوسع على السوق بأكمله.
الأمن السيبراني كاستثمار وليس تكلفة
في سياق متصل، أوضح يوسف سعيد متخصص بالامن السيبراني ، أن الشركات التي تنظر إلى الأمن السيبراني باعتباره بندًا من بنود الاستثمار تحافظ على قدرتها التنافسية بشكل أكبر.
وقال إن الأمن السيبراني في مصر لم يعد خيارًا، بل ضرورة اقتصادية، كل جنيه يُنفق على الحماية الرقمية قد يوفر أضعافه عند تجنب اختراق أو توقف في العمل.
هذه الرؤية تتبناها بالفعل قطاعات رئيسية في السوق، مثل البنوك المصرية، التي ضاعفت ميزانياتها المخصصة للحماية الرقمية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد التوسع الكبير في الخدمات المصرفية الإلكترونية، بحسب الخبير
أمثلة محلية على الخسائر
في عام 2023، تعرضت إحدى شركات التجارة الإلكترونية المصرية الكبرى لمحاولة اختراق أدت إلى توقف منصتها لمدة يومين كاملين، وهو ما تسبب في خسائر مباشرة في المبيعات تُقدر بنحو 15 مليون جنيه، فضلًا عن الأثر السلبي على سمعتها أمام العملاء والمستثمرين.
وفي قطاع التصنيع، اضطرت إحدى المصانع العاملة في مجال الصناعات الغذائية إلى إيقاف خط إنتاج كامل بعد تعرضه لهجوم ببرمجيات فدية، الأمر الذي كلف الشركة تكاليف إصلاح واستعادة بيانات تجاوزت 5 ملايين جنيه، إلى جانب تأخير تسليم الطلبيات وفقدان بعض العقود.
البنوك المصرية في الصف الأمامي
تعد البنوك المصرية من أكثر القطاعات وعيًا بخطورة التهديدات السيبرانية، نظرًا لحساسية بيانات العملاء وحجم الأموال المتداولة عبر الأنظمة الرقمية. البنك المركزي المصري ألزم جميع البنوك بتطبيق معايير صارمة للأمن السيبراني، بما في ذلك أنظمة كشف الاختراقات المبكر، وتشفير البيانات، والتدريب المستمر للموظفين على مواجهة الهجمات.
هذه الإجراءات ليست مجرد التزام تشريعي، بل انعكست اقتصاديًا في الحفاظ على ثقة العملاء وزيادة الاعتماد على الخدمات المصرفية الرقمية، وهو ما أدى إلى توسيع قاعدة العملاء وتقليل تكاليف التشغيل على المدى الطويل.
التشريعات المصرية ودورها
خلال السنوات الأخيرة، أصدرت مصر عدة قوانين ولوائح لتعزيز الأمن السيبراني، أبرزها “قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات” الصادر في 2018، والذي ألزم الشركات، خاصة تلك التي تقدم خدمات حيوية، بوضع خطط لحماية أنظمتها الرقمية، والإبلاغ الفوري عن أي اختراقات.
من الناحية الاقتصادية، ساهمت هذه التشريعات في خلق بيئة استثمارية أكثر أمانًا، خاصة للمستثمرين الأجانب الذين ينظرون إلى استقرار البنية التحتية الرقمية كعامل أساسي قبل ضخ رؤوس أموالهم في السوق المصري.
التحديات الاقتصادية أمام الشركات
رغم التقدم، تواجه الشركات المصرية عدة تحديات في تبني أنظمة أمن سيبراني قوية، أبرزها، ارتفاع تكلفة حلول الحماية المتطورة، خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة،
نقص الكوادر المؤهلة في مجال الأمن السيبراني، مما يضطر الشركات للاستعانة بخبرات خارجية بتكلفة عالية، تزايد تعقيد الهجمات الإلكترونية، ما يتطلب تحديثًا مستمرًا للأنظمة والبنية التحتية.
المعادلة الاقتصادية للأمن السيبراني في مصر
تشير الدراسات المحلية إلى أن الشركات التي تخصص ما بين 5% و10% من ميزانيتها السنوية لتأمين أنظمتها، تحقق وفورات أكبر على المدى الطويل، مقارنة بتلك التي تهمل هذا الجانب وتضطر لاحقًا لدفع مبالغ أكبر لمعالجة الأضرار،أن الاستثمار في الحماية الرقمية يفتح الباب أمام فرص نمو جديدة، حيث يمكن للشركات توسيع خدماتها عبر الإنترنت بأمان، والوصول إلى أسواق جديدة دون خوف من تهديدات القرصنة.