قناة السويس … أمل مصر الدائم (١)

لواء دكتور/ سمير فرج

 

بدعوة من السيد الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، شاركت في الاحتفال السنوي بمناسبة مرور 69 عاماً على إعلان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، وكذا بمناسبة مرور 155 عاماً على افتتاح القناة، التي شارك في حفرها أكثر من مليون مصري، استشهد منهم أكثر من 120 ألف شهيد خلال عملية الحفر، التي امتدت لنحو عشر أعوام.

شارك في الاحتفال السيد وزير الري والموارد المائية، والسادة محافظي مدن القناة، وعدد من السادة الملحقين العسكريين في مصر، ورجال الإعلام، وابناء هيئة قناة السويس، بالإضافة إلى نجل الرئيس الراحل عبد الناصر.

كما نعلم، فقناة السويس هي ذلك الممر المائي، الصناعي، الذي يمر من شمال مصر على البحر المتوسط جنوباً إلى البحر الأحمر، لتفصل بذلك بين قارتي آسيا وأفريقيا، إلا أن ما قد لا يعلمه البعض، أن أول من فكر في شق قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، هو الملك سنوسرت الثالث، من الأسرة الثانية عشرة، حيث كان يستخدم فرع النيل من البحر الأبيض المتوسط حتى الزقازيق، ومنها حفر قناة إلى البحيرات المُرة على البحر الأحمر، والتي لازالت آثارها باقية حتى الآن.

وفي عهد بطليموس الثاني، عام 285 ق.م، تم التغلب على الصعوبات، وأُعيد حفر قناة السويس وتشغيل الملاحة فيها. ثم في عهد الرومان، قام الإمبراطور تراجان بحفر قناة جديدة عام 98 ميلادية، بدأت من القاهرة حتى العباسية، مروراً بالفرع القديم في الزقازيق. وبعد ذلك بعدة قرون، في عام 641 ميلادية، أعاد عمرو بن العاص الملاحة بالقناة، وأطلق عليها اسم “قناة أمير المؤمنين”، إلا أن الخليفة عمر بن الخطاب أمر بردمها، خوفاً من طغيان البحر الأحمر على مصر.

تؤكد تلك الشواهد التاريخية، أن المصريين القدماء، هم أصحاب فكرة حفر قناة تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط، وليس فرديناند ديلسبس، كما أشاع بعض المستشرقين، في محاولة لتغيير التاريخ، لمنح فرنسا الحق في الاستحواذ على معظم دخل قناة السويس، وإعطاء مصر ما لا يتجاوز 15٪، فقط، منه.

أما التاريخ الحديث للقناة فبدأ بصدور فرمان الامتياز الأول، في 30 نوفمبر 1854، والذي منح فرديناند ديلسبس حق إنشاء شركة لحفر قناة السويس. وفي المادة الثانية من الفرمان، نُص على أن تختص الحكومة المصرية بتعيين مديراً للشركة. على أن تكون مدة الامتياز 99 سنة، تبدأ من تاريخ افتتاح القناة. أما المادة الخامسة فنصت على حصول الحكومة المصرية على 15%، فقط، من صافي الأرباح!! فهل يُعقل أن تُحفر القناة بأيادٍ مصرية، وعلى أرض مصرية، وتُبذل فيها أرواح المصريين الغالية، ثم تحصل مصر على تلك النسبة؟!

وفي 17 نوفمبر 1869، اجتمع العالم ليشهد احتفال أسطوري بافتتاح قناة السويس، بحضور 6000 مدعو، منهم الإمبراطورة أوجيني، زوجة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وملوك أوروبا، وافتتحها الخديوي إسماعيل، وأنفق على الاحتفال ما يقارب نصف مليون جنيه.

كان من أهم ما نظم السيطرة على حركة الملاحة في قناة السويس، هي اتفاقية القسطنطينية، المُوقعة في 29 أكتوبر 1888، بين المملكة المتحدة، والإمبراطوريات الألمانية، والنمساوية، والمجرية، والروسية، والدولة العثمانية، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والتي اعترفت بسيادة مصر على القناة، مع ضمان حرية الملاحة لجميع الدول، بشرط حظر الملاحة على سفن نقل العبيد والمخدرات، والتزام الدول بالامتناع عن أي عمل عسكري ضد القناة، حتى في أوقات الحروب.

وهكذا، ظلت القناة تدر دخلاً ضخماً، لا تحصل مصر منه إلا على حصة ضئيلة للغاية، حتى جاء قرار التأميم في 26 يوليو 1956، الذي أعلنه جمال عبد الناصر، في خطاب تاريخي، من الإسكندرية، ونجحت مصر في تسديد التعويضات للمساهمين كاملة، قبل موعدها. كان قرار التأميم قد جاء رداً على سياسات الدول الكبرى، والبنك الدولي، الذي رفض تمويل بناء السد العالي في مصر، وكان قرار التأميم سبباً في شن إنجلترا وفرنسا وإسرائيل لعدوانهم الثلاثي، الذي فشل أمام صمود الشعب المصري، وبالأخص شعب بورسعيد.

استمرت قناة السويس، منذ ذلك اليوم، تحت الإدارة المصرية، وشهدت تطورات كبيرة، أوضحها الفريق أسامة ربيع خلال كلمته في الاحتفال، استندت على خمس اتجاهات؛ أولها تطوير المجرى الملاحي، وتطوير الأسطول البحري، وتعظيم الاستفادة من الأصول، وتنويع مصادر الدخل، والتحول الرقمي، وأخيراً الاستدامة. وقد شهدنا، بالفعل، عمليات تطوير المجرى الملاحي، عمقاً، واتساعاً، وازدواجاً، كما اطلعنا على جهود توطين الصناعات البحرية، والاتجاه نحو التحول الرقمي، فعند افتتاح القناة كانت باتجاه واحد، وبعد التأميم تم تنفيذ ازدواج بطول 27 كيلومتر، وصل، اليوم، إلى 99 كيلومتر، أما العمق فكان عند الافتتاح 6.8 متر، بما يتيح مرور السفن بحمولة 5000 طن، زاد بعد التأميم، إلى 10.6 متر، ليتيح مرور سفن بحمولة 27.7 ألف طن. أما حالياً، وبعد مراحل التطوير الجديدة، أصبح العمق 24 متراً، بما يسمح بمرور السفن العملاقة التي تصل حمولتها إلى 240 ألف طن.

لقد تم التطوير بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، فور توليه الرئاسة، ودعوته الشعب المصري للاكتتاب في المشروع، فشهدنا ملحمة وطنية، تكاتف فيها الشعب لتدبير الموارد، في بضعة أيام، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من تطوير قناة السويس، الذي قضى على فكرة إسرائيل بإنشاء قناة بن جوريون، التي كانت تستهدف من ورائها تعطيل قناة السويس.

وهكذا، فقناة السويس مصرية خالصة … فكرة، وتنفيذاً، وتمويلاً وتطويراً … ولنا في الأسبوع القادم بقية عن التطوير الحالي للقناة.

Email: [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى