فيروس جديد يطرق أبواب الصين.. هل يعيد البعوض سيناريو “كورونا”؟

في مشهد يعيد إلى الأذهان ارتباك الأيام الأولى من جائحة كورونا، تشهد الصين حاليًا تفشيًا متسارعًا لفيروس الشيكونجونيا في مقاطعة جوانجدونج، لكن هذه المرة تأتي الرسائل من بكين بنبرة مختلفة تمامًا: “لن نُكرّر لعبة التضليل والاتهام التي فُرضت علينا في 2020”.

انطلقت الإصابات من مدينة فوشان، المعروفة بقلبها الصناعي في جنوب الصين، لتسجل أكثر من 7000 إصابة مؤكدة خلال أقل من شهر، وفق ما أورده “مركز السيطرة على الأمراض” الصيني.

وبينما بدأت الأزمة كحادث صحي، تحولت سريعًا إلى مسألة تتعلق بالسيادة، حيث حذّرت السلطات الصينية من “محاولات غربية لإعادة إنتاج سيناريو شيطنة الصين كما حدث في بداية انتشار كوفيد-19”.

ما هو فيروس الشيكونجونيا ؟
فيروس الشيكونجونيا يُنقل إلى البشر عبر لسعات بعوض مصاب، خاصة نوعي الزاعجة المصرية والزاعجة البيضاء، وهما نفس النوعين المسؤولين عن نقل أمراض مثل حمى الضنك وفيروس زيكا، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

تبدأ الأعراض عادة بعد أربعة إلى ثمانية أيام من التعرض للدغة وتشمل الحمى، الغثيان، والتعب، لكن أبرز الأعراض وأكثرها إزعاجًا هو الألم الحاد في المفاصل، والذي قد يستمر شهورًا أو حتى سنوات في بعض الحالات.

واسم “شيكونغونيا” مشتق من كلمة بلغة الكيماكوندي المستخدمة في جنوب تنزانيا، حيث تم تسجيل أول حالة في عام 1952، وتعني الكلمة “المنحني” أو “الذي لا يستطيع الوقوف”، في إشارة إلى تأثير الألم الشديد على حركة المصابين.

الدكتورة بيلار رامون باردو، وهي مستشارة في منظمة الصحة العالمية، وصفت المرض بقولها: “الناس لا يستطيعون الحراك… الألم يعتصرهم حتى تنهمر دموعهم”.

أزمة صحية تتحوّل إلى صراع سيادي
ردّ الفعل الصيني هذه المرة مختلف فمع تصاعد التحذيرات الغربية وتغطيات وسائل الإعلام الأجنبية، سارعت الخارجية الصينية بإصدار بيان واضح قالت فيه: “لن نقبل أن تُحوَّل بعوضة جنوب الصين إلى ذريعة لعزل جديد، ولن نسمح بأن يتحوّل وباء محلي إلى منصة للهجوم على سياساتنا الصحية”.

وفي افتتاحيتها، اعتبرت صحيفة “جلوبال تايمز” الرسمية أن الفيروس ليس حكرًا على الصين، إذ سبق وسُجلت آلاف الإصابات في دول مثل البرازيل والهند والولايات المتحدة، لكن – بحسب الصحيفة – حين تكون الصين هي المتضرر، يتحوّل الوضع فجأة إلى تهديد عالمي!

الاستجابة هذه المرة جاءت سريعة، حيث أطلقت السلطات الصينية خطة طوارئ شاملة تضمنت عزل الحالات في مراكز مخصصة، ورشّ المدن بالمبيدات، واستخدام أسماك تأكل يرقات البعوض في المجاري والأنهار، فضلًا عن تفعيل الفحوصات الصارمة على المنافذ الحدودية، وتتبع مصادر العدوى المستوردة.

لكن بكين تؤكد: “الفارق هذه المرة أننا نملك زمام المبادرة. لن نكون موضوع تحقيقات دولية ولا ضحية لحملات سياسية موجهة”.

ازدواجية المعايير الغربية
من بكين إلى هونج كونج، عبّر مسؤولون وخبراء عن استيائهم من مواقف الغرب، خاصة بعد إعلان “مراكز السيطرة على الأمراض الأمريكية” تحذيرًا من الدرجة الثانية بشأن السفر إلى الصين بسبب تفشي الفيروس.

وتساءل المتحدث باسم الخارجية الصينية بنبرة غاضبة: “عندما تُسجل إصابات بحمى الضنك أو زيكا في أمريكا، لا أحد يصنّفها كمنطقة خطر. لماذا يحدث ذلك فقط عندما يتعلق الأمر بالصين؟”

وترى بكين أن هذه المواقف ليست صحية فقط، بل سياسية بالأساس، في إطار ما وصفه المستشار بمجلس الدولة، لي يونغ، بأنه “استراتيجية ممنهجة لفصل الصين عن الاقتصاد العالمي عبر أدوات صحية، بيئية، ورقمية”.

وفي مقال نشرته مجلة “تشاينا ريفيو”، أشار محللون إلى ما وصفوه بـ”مخطط ناعم لعزل الصين تجاريًا بذريعة السلامة البيولوجية”، متسائلين بسخرية: “هل تحولت مكافحة البعوض إلى ورقة جيوسياسية؟”

“لسنا هدفًا بعد اليوم”
في مدينة قوانجتشو، قال أحد مستشاري الطوارئ: “أيام كورونا طاردونا بتقارير استخباراتية ومزاعم حول منشأ الفيروس. هذه المرة، نحن من يطارد البعوض، ولن ننتظر إذن أحد”.

الصين الآن في معركة على جبهتين: حرب ضد انتشار الشيكونجونيا، وحرب دبلوماسية ضد محاولات تسييس الفيروس. وبينما تتحرك على الأرض لاحتواء المرض، تتحرك على الساحة الدولية لتؤكد أن السيادة لا تُنتهك مرتين… ولا تُعضّ مرتين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى