هل الدور على مصر؟..أم الدور لمصر ؟!

بقلم: ناصر السلاموني
في ظل ما تشهده المنطقة العربية من اضطرابات وحملات تضليل إعلامي، تداولت بعض المنصات مؤخرًا تساؤلًا استفزازيًا: “هل الدور على مصر؟”، وكأنها إشارة إلى سيناريو مشابه لما وقع في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان. يهدف هذا الطرح، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى إثارة القلق في نفوس المصريين وزعزعة الثقة في استقرار دولتهم.
غير أن قراءة واعية للتاريخ والجغرافيا ومعادلات القوة تشير بوضوح إلى أن مثل هذا الطرح لا يستند إلى حقائق واقعية. فمصر، على مر العصور، لم تكن هدفًا سهلًا، بل شكلت دومًا نقطة توازن إقليمي ومركز قوة يواجه التحديات ويمتص الصدمات. من معركة عين جالوت التي أوقفت زحف التتار، إلى دحر الحملة الصليبية، وصولًا إلى كسر أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” في أكتوبر 1973، لم تغب مصر يومًا عن مسرح التأثير الفاعل في الشرق الأوسط.
إذا كانت هناك أطراف تفكر في تهديد مصر، فإن حساباتها تصطدم بحقائق الردع القائمة حاليًا. فالدولة المصرية، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، عززت من قدراتها العسكرية والاستراتيجية بشكل كبير، وأعادت بناء منظومة أمنها القومي على أسس حديثة ومتعددة الأبعاد. محاولات زعزعة استقرار الداخل منذ عام 2011، وإن كانت شديدة، إلا أنها واجهت صمودًا شعبيًا ومؤسسيًا أفضى إلى استعادة الدولة لتوازنها، في وقت دخلت فيه دول أخرى في دوامات طويلة من التفكك.
الموقع الجغرافي لمصر يمثل في ذاته عامل قوة يصعب تجاهله. فهي ليست مجرد دولة عابرة، بل بوابة تربط ثلاث قارات، ومُشرفة على شرايين التجارة والطاقة من قناة السويس إلى البحر الأحمر. وفي المقابل، تفتقر إسرائيل – كمثال على خصوم محتملين – إلى العمق الاستراتيجي، مما يجعلها معرضة للردع السريع في أي مواجهة. القدرة الجوية المصرية، على سبيل المثال، قادرة على الوصول إلى عمق العدو خلال دقائق، ما يجعل من التفكير في تهديد مباشر مغامرة غير محسوبة النتائج.
فيما يتعلق بالقوة العسكرية، استطاعت مصر بناء توازن ردع حقيقي عبر الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة. تمتلك سلاحًا جويًا حديثًا يضم مقاتلات من طراز رافال وF-16 وسوخوي-35، وقوات برية ضخمة ومدربة، فضلًا عن قوات بحرية قادرة على تأمين الممرات الاستراتيجية، ودفاع جوي متعدد الطبقات لمواجهة أي تهديد محتمل. هذه القدرات المتكاملة لا تعني فقط الدفاع، بل تُمكّن من فرض الاستقرار وردع المخاطر قبل وقوعها.
إلى جانب القوة العسكرية، اعتمدت الدولة المصرية على سياسات خارجية متوازنة وفعالة. فشبكة العلاقات التي بنتها مع قوى دولية وإقليمية كبرى، من دول الخليج إلى أوروبا، ومن روسيا إلى الصين، عززت مكانتها كطرف يصعب المساس به دون تداعيات دولية واسعة. هذا التحرك السياسي الواعي جعل من استهداف مصر أمرًا محفوفًا بالخسائر.
أما داخليًا، فقد أدركت القيادة المصرية أن الاستقرار يبدأ من الداخل، وأن الجبهة الوطنية هي الركيزة الأولى للأمن القومي. من هذا المنطلق، جرى العمل على تعزيز مؤسسات الدولة، وتثبيت دعائم الحكم الرشيد، ومحاربة الفساد، إلى جانب إطلاق مبادرات لرفع الوعي العام ومواجهة الحروب النفسية وحملات التضليل التي تستهدف معنويات المواطنين.
لا يمكن تجاهل أن أحد أخطر أشكال المواجهة في العصر الحديث يتمثل في ما يسمى بـ”حروب الجيل الرابع”، والتي تعتمد على بث الإشاعات، وإشعال الفتن، واستهداف الثقة بين الشعوب ومؤسساتهم. وفي هذا الإطار، تعاملت مصر مع التحدي بوعي واضح، فكان الإعلام الوطني، والثقافة المجتمعية، من أبرز أدوات التصدي لتلك الحملات.
من منظور تاريخي، لم تكن مصر يومًا دولة مهزومة. فكل من حاول إخضاعها، من الهكسوس والتتار إلى الاستعمار الأوروبي، خرج منها خاسرًا. هذه الحقيقة التاريخية، ليست فقط مصدر فخر، بل أساس في فهم السلوك المصري المعاصر في التعامل مع التحديات.
الرئيس عبد الفتاح السيسي يقود اليوم مشروع دولة حديثة، تتسم بالقوة والاستقلالية، وتتمتع بموقع استراتيجي فريد، وبدور إقليمي لا يمكن تجاوزه. ومع جيش يُعد من بين الأقوى في المنطقة، وشعب واعٍ بمعنى السيادة والدولة، فإن مصر ليست مستهدفة لأنها ضعيفة، بل لأنها قوية ومؤثرة، ويُراد لها أن تُحاصر لا أن تُستهدف تقليديًا.
إذًا، هل “الدور على مصر؟”
الحقيقة أن دور مصر ليس أن تنتظر أو تَخشى، بل أن تقود، وتحمي، وتُوازن. هذا هو الدور الذي فرضه التاريخ، وأكدته الجغرافيا، وتُثبته المعادلات الراهنة.