“عدالة بلا إقصاء… نحو إصلاح متوازن لقانون الإيجارات القديمة”

 

بقلم: الأستاذة هدى الخضراوي – المحامية

منذ الإعلان عن تعديلات قانون الإيجارات القديمة، انقسمت الآراء بين من يرى فيه انتصارًا تأخر كثيرًا لحقوق الملاك، ومن يراه تهديدًا للاستقرار الاجتماعي لفئات كبيرة من المصريين البسطاء.

شخصيًا، لا أنكر أبدًا أن القانون القديم تسبب في ظلم كبير للملاك، فالعلاقة الإيجارية الممتدة لعقود بقيمة ثابتة لم تكن عادلة اقتصاديًا، بل عطلت جزءًا من حركة الاستثمار العقاري، وأبقت على حالة “الملكية منقوصة الصلاحيات” لكثير من أصحاب العقارات.
لكن… هل يكون الحل العادل هو نقل الظلم من طرف إلى آخر؟

🔍 ما بين النصوص والتصريحات… فجوة تستحق التوقف

أعلنت الدولة أكثر من مرة – وعلى لسان الرئيس والحكومة – أن “لا مواطن سيُطرد من بيته”، وأن هناك نية لتوفير بدائل مناسبة، سواء بتعويضات، أو بإسكان بديل، أو بآليات دعم اجتماعي، وهذا إعلان يُحسب للدولة ويُقدر لها من حيث التوجه الإنساني.

ولكن… أين هذه الضمانات في نص القانون نفسه؟
التعديلات – رغم منحها مهلة سبع سنوات – تنتهي إلى إخلاء وجوبي، دون اشتراط تعويض، أو توفير بدائل، أو حتى مراعاة الحالات الإنسانية لكبار السن، وذوي الدخل المحدود، والمقيمين منذ عقود دون قدرة فعلية على البدء من جديد.

⚖ العدالة الانتقالية لا تُبنى بالإزاحة

العقود القديمة كان يجب إصلاحها، هذا أمر مفروغ منه.
لكن كان يمكن للدولة أن تضع برنامجًا تدريجيًا منضبطًا، يشمل:
• حصر الحالات الاجتماعية غير القادرة فعليًا.
• تقديم برامج دعم تمويلي أو بدائل سكنية لهم.
• تحديد فئات المستأجرين الوراثيين الفعليين (وليس الأحفاد والورثة غير المقيمين).
• فتح باب التفاوض التدريجي بين المالك والمستأجر بدعم قانوني ورقابة قضائية.

الإصلاح التشريعي ليس فقط في تعديل النصوص، بل في خلق منظومة متكاملة تضمن الانتقال الآمن من وضع خاطئ إلى وضع عادل… لا أن تتحول العلاقة من ظلم تاريخي إلى طرد قانوني.

🧭 دعوتنا ليست رفضًا للتغيير، بل مطالبة بالمسؤولية

نحن لا نرفض التعديلات من حيث المبدأ، بل نطالب بأن تراعي الدولة – وهي تتحرك نحو الإصلاح – أن لا تترك مواطنًا في العراء، ولا تكتفي بالتصريحات دون آليات مكتوبة وملزمة.
وأن تتدخل لتكون ضامنًا للطرفين:
• المالك في استرداد حقه.
• والمستأجر في الاحتفاظ بكرامته وسكنه الآمن.

✨ خاتمة: العدل لا يُجزأ

إذا أردنا فعلًا الحفاظ على “النسيج المجتمعي”، كما ورد في تصريحات الدولة، فعلينا أن نكتب في القانون ما يعكس هذا التوجه، لا أن نكتفي بالأمنيات الطيبة.
فالمشرع العادل لا يكتب فقط ما يريده، بل ما يضمن تطبيقه بعدل ورحمة.

لن نختلف أبدًا أن الظلم يجب أن يُصحح، لكننا نختلف فقط في الطريقة…
فنقل الظلم ليس عدلًا، بل هو مجرد إعادة توزيع للألم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى