بين رفاهية الفنادق وجحيم الحصار: خليل الحية ونخبة حماس في قطر وجه آخر لمعاناة غزة

يارا المصري
في الوقت الذي تئن فيه غزة تحت نيران الحرب والجوع والحصار، يعيش قادة حماس في الخارج، وتحديدًا في قطر، حياة ترف تكاد تكون انفصالًا تامًا عن واقع الفلسطينيين الذين يدّعون تمثيلهم. أسماء مثل خليل الحية، أحد أبرز الوجوه القيادية في الحركة، لم تعد تُذكر إلا مقرونة بالتعنت السياسي، ورفض أي مسار يخفف من معاناة الناس، أو ينهي الكارثة التي تعصف بالقطاع منذ أكتوبر الماضي.
خليل الحية، الذي صعد في صفوف حماس كأحد أذرعها السياسية المؤثرة، تحول خلال السنوات الأخيرة إلى واحد من رموز التصلب السياسي، لا سيما في المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال. الرجل الذي يظهر عبر الشاشات ليصرخ “لن نساوم على دماء الشهداء”، هو ذاته الذي يعيش منذ سنوات في نعيم الدوحة، ويتنقل بين الفنادق والاجتماعات الدولية، بينما يموت أطفال غزة من الجوع والبرد والقصف.
ليس هناك دليل واحد على أن الحية ــ وغيره من قيادات الخارج ــ فقدوا فردًا من أسرهم في هذه الحرب. أبناؤهم في مدارس راقية، وأطباؤهم في مستشفيات دولية، بينما لا يجد آلاف الغزيين حتى الماء الصالح للشرب.
القيادة السياسية لحماس في قطر ــ من بينهم إسماعيل هنية، موسى أبو مرزوق، وصالح العاروري (قبل اغتياله) ــ تعيش على وقع الاجتماعات والمؤتمرات، في ما يشبه إدارة أزمة إعلامية أكثر منها مقاومة حقيقية. من غير المعقول أن تُدار حركة مقاومة من فنادق خمس نجوم، بينما يقبع المقاوم الحقيقي في غزة بلا ذخيرة، ولا دواء، ولا حتى سقف.
التمويل القطري الذي يدخل غزة ــ ويُقدم تحت لافتة “الدعم الإنساني” ــ يتحول في كثير من الأحيان إلى وسيلة بقاء سياسي للحركة، في مقابل تعميق أزمة سكان القطاع. فبدلًا من التفاوض الجاد على هدنة تنقذ المدنيين، نجد هذه القيادات ترفض كل مبادرة، وتضع شروطًا تعجيزية، وكأن الشعب نفسه أصبح وسيلة للابتزاز.
رفض خليل الحية وأمثاله لكل المبادرات التي طُرحت منذ بدء الحرب، لا يفسَّر إلا ضمن سياق واحد: الحفاظ على سلطة الحركة بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو حياة عشرات الآلاف من الأبرياء. بينما يتحدثون عن “نصر قادم”، لا يطرحون بدائل عملية لإنهاء المجزرة، ولا يقدمون تنازلات حقيقية في الملفات الإنسانية مثل إدخال الغذاء والدواء، أو إطلاق سراح المرضى وكبار السن.
في هذا السياق، قال محمد دحلان، القيادي المفصول من فتح، في مقابلة مع قناة سكاي نيوز عربية (نوفمبر 2023):
“القيادات الفلسطينية التي تعيش في الخارج، سواء في قطر أو غيرها، أصبحت تُتاجر بدماء الغزيين. يرفضون المبادرات ثم يختفون عن المشهد، بينما يتحمل المدنيون وحدهم الكارثة.”
كما صرّح ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات ووزير الخارجية السابق، في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط (يناير 2024):
“لا يمكن أن تُدار المقاومة من الفنادق. هذا استخفاف بشعبنا وبفكرة التحرر نفسها. من يريد قيادة المشروع الوطني يجب أن يكون في قلب المعركة، لا في قاعات التكييف والراحة.”
الواقع الميداني يشير إلى فجوة هائلة بين قادة حماس في الخارج والناس داخل القطاع. في تصريح جريء أدلى به اللواء توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، قال:
“من يعيش خارج غزة لا يعرف معنى أن تفقد ابنك تحت الأنقاض. من لم يسمع صراخ الجائعين لا يحق له أن يرفض مبادرات التهدئة باسم الشعب.”
كما أشار محللون فلسطينيون مستقلون، مثل هاني المصري (محلل سياسي ومدير مركز مسارات):
“تحول حماس من حركة مقاومة إلى سلطة، ومن سلطة إلى نخبة تعيش في الخارج، أفقدها شرعية الشارع. المطلوب هو قيادة تشارك الناس في المعاناة، لا تقرر من فوقهم.”
الحية، بصفته أحد المفاوضين الأساسيين في الجولات غير المباشرة، يُتهم من داخل أوساط فلسطينية بأنه يعطل عن عمد أي اتفاق لا يخدم أجندة حماس السياسية، بغض النظر عن التكلفة البشرية.
لم تعد المسألة فقط في أنهم بعيدون جغرافيًا، بل في انفصالهم الكامل عن واقع غزة. فقيادات الخارج لا تسمع صرخات الجوعى، ولا ترى صور الجثث المتناثرة في الشوارع، ولا تعرف حجم ما يعيشه الناس من يأس وقهر. يعيشون في عالم موازٍ، يقرّر مصير الناس من خلف المكاتب والفنادق، ويستخدمون الخطاب الديني والعاطفي لتبرير فشلهم.
لقد آن الأوان أن تُطرح الأسئلة بوضوح:
من الذي يقرر بقاء الحرب أو وقفها؟
لماذا يعيش القادة في نعيم، بينما يموت الأبرياء بلا حساب؟
ومن سيحاسب خليل الحية ورفاقه على ما جرى ويجري في غزة؟
الشعب الفلسطيني، الذي قدّم من التضحيات ما لا تحتمله الجبال، يستحق قيادة تشبهه، لا نخبة منفصلة عنه، تحوّلت إلى سلطة تبحث عن بقائها في الوقت الذي يُدفن فيه الوطن تحت الركام.