“مش بس زراعي”… لكن مش لكل المصريين؟! عندما يُفشل موظفٌ واحد سنواتٍ من البناء في لحظة جهل!

كتبت – ليلى عوض الله
في مشهد يعكس التناقض الصارخ بين الرسائل الدعائية التي تتبناها المؤسسات، وبين السلوك البيروقراطي الذي لا يزال متجذرًا في بعض مفاصلها، تعرّض الشعار الإعلاني الشهير للبنك الزراعي المصري “مش بس زراعي” لاختبار عملي بسيط… فسقط.
ففي الوقت الذي يتباهى فيه البنك بحملته التسويقية التي وصلت إلى ملايين المشاهدات، وتفاخر بتنوع خدماته وتمويلاته التي “لا تقتصر على الزراعة”، جاءت استجابة أحد المسؤولين في الخارج للتواصل مع البنك لتكشف وجهًا آخر للواقع. فحين طُرح عليه مقترح إعلامي ضمن إطار التعاون الدولي مع منصات تهتم بالمصريين في الخارج، جاء الرد قاطعًا، ومفاجئًا:
> “البنك بيخدم الفلاح اللي معاه حيازة… فقط. مش بنهتم بالمصريين اللي بره البلد.”
تصريحٌ لا يثير الدهشة فقط في مضمونه، بل في توقيته، وخصوصًا أنه صدر عن موظف يشغل موقعًا إعلاميًا بالبنك منذ أكثر من خمس سنوات. فهل يُعقل أن يجهل مسؤول بهذه الدرجة من القرب من دوائر القرار البنكي طبيعة الخدمات التي يُفترض أن يروّج لها؟ أم أن المشكلة أعمق، تتعلق بثقافة إدارية لا تزال أسيرة مفاهيم ضيّقة رغم كل محاولات التجديد المؤسسي؟
خلل في الفهم أم فشل في الدور؟
مثل هذه التصرفات الفردية، رغم بساطتها الظاهرية، تُعدّ كاشفة لغياب التمكين المهني لبعض العناصر داخل المؤسسات الحيوية، وتسلّط الضوء على الحاجة الملحّة لمراجعة الكفاءات التي تقف في الواجهة، وتتحدث باسم الكيان.
البنك الذي يتحدّث ليل نهار عن “الشمول المالي”، ويقدّم تمويلات للمشروعات الصغيرة، ويستهدف الأسر الريفية، لا يمكن أن تُختصر رسالته في “الحيازة الزراعية”. ولا يجوز أن تُقصى شريحة استراتيجية بحجم المصريين العاملين في الخارج، الذين يُعدّون أحد أبرز روافد الاقتصاد الوطني من حيث التحويلات والادخار والاستثمار.
تسويق بلا عمق = نتائج بلا تأثير
في عصر تتداخل فيه أدوات الإعلام الاقتصادي مع السياسات المصرفية، لا يكفي أن تطلق حملة ناجحة، بل أن تُحسن إدارتها، وتفهم روحها، وتُدير حواراتك بناءً على ما تسوّقه للمجتمع.
ما حدث يكشف عن خلل لا يجب أن يُمرّ مرور الكرام. فتصرف فردي من موظف محدود الدراية، قد ينسف جهود فرق عمل وأقسام كاملة بنت صورة البنك خلال سنوات من التحديث والانفتاح.
إن أخطر ما يهدد المؤسسات اليوم ليس النقد الخارجي، بل تلك العقليات التي ترتدي بذلة المؤسسة الرسمية، وتفشل في أول مواجهة مع الرأي العام.
الدرس واضح: لا إعلان يصنع ثقة… إن لم تُدار المهنة بمهنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى