السعودية مركز تعليمي دولي: حلم قابل للتحقيق

بقلم ناصر السلاموني
تتجه أنظار دول العالم في السنوات الأخيرة إلى التعليم كرافعة استراتيجية للتنمية المستدامة، وهو ما جعل كثيرًا من الدول تسعى لتكون “وجهة تعليمية دولية” تستقطب آلاف الطلاب من مختلف الجنسيات، طمعًا في الحصول على شهادات أكاديمية مرموقة ومعترف بها عالميًا. فمن أوكرانيا وكندا وأستراليا، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم إسبانيا وماليزيا، تتنوع النماذج، وتتشابه الغايات.
بل إن بعض الدول التي تعاني فراغًا إداريًا كليبيا، اتجهت في السنوات الأخيرة لإنشاء جامعات ومعاهد خاصة، مستغلة عضويتها في الاتحاد العربي للجامعات لتقديم خدمات تعليمية متواضعة من حيث الإمكانيات، لكنها تلقى إقبالاً واسعًا من بعض الجنسيات الباحثة عن الاعتراف الأكاديمي فقط.
لماذا لا تكون المملكة العربية السعودية وجهة تعليمية دولية؟
السؤال المطروح اليوم بقوة: لماذا لا تسعى المملكة العربية السعودية لتكون قبلة تعليمية دولية، كما هي قبلة دينية وروحية للعالم الإسلامي؟
فالمملكة تملك من المقومات ما يجعلها مؤهلة لتحقيق هذا الهدف، بل وتتفوق على كثير من الدول التي سبقتها إليه، ومن ذلك:
الموقع الجغرافي الإستراتيجي: الذي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.
الاستقرار السياسي والاقتصادي: مما يوفر بيئة آمنة وجاذبة للطلاب والأكاديميين.
البنية التحتية الحديثة: من جامعات ومدن ذكية ومواصلات متقدمة.
الرؤية الوطنية الطموحة (رؤية 2030): التي تضع التعليم كأحد محاور التحديث والريادة.
العلاقات الدبلوماسية المتينة: مع دول العالم المختلفة، مما يسهل الاعتراف المتبادل بالمؤهلات.
الجامعات السعودية: إمكانات حاضرة ورؤية مستقبلية
تضم المملكة أكثر من 42 جامعة حكومية وخاصة موزعة في مختلف المناطق، تقدم مئات التخصصات العلمية والنظرية، أبرزها جامعات: الملك سعود، والملك عبدالعزيز، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الأمير محمد بن فهد، وجامعة جدة، وجامعة الأميرة نورة، وجامعة نجران، وغيرها.
وتُعد هذه الجامعات مفتوحة لأبناء المملكة والمقيمين والوافدين من دول العالم، خاصة ضمن برامج الابتعاث، والدراسات العليا، والمنح الدراسية، إضافة إلى وجود برامج توأمة وتعاون أكاديمي مع جامعات دولية.
المواصفات التي تجعل الجامعة دولية بحق
حتى تكون الجامعة مؤهلة لاستقطاب أنظار الطلاب من كل العالم، لا بد أن تتوافر فيها المعايير التالية:
الاعتراف الدولي والاعتماد الأكاديمي.
برامج تعليمية متطورة تلبي احتياجات سوق العمل العالمي.
شراكات مع مؤسسات أكاديمية دولية مرموقة.
طاقم تدريسي من جنسيات متنوعة وكفاءة علمية عالية.
حرم جامعي حديث متكامل الخدمات.
دعم الابتكار والبحث العلمي وريادة الأعمال.
تسهيلات للطلاب الوافدين (فيزا، إقامة، سكن، دعم نفسي ولغوي…).
الكليات المطلوبة عالميًا وفق احتياجات سوق العمل
لضمان الجذب الأكاديمي واستمراريته، ينبغي التركيز على التخصصات التي تشهد طلبًا عالميًا مرتفعًا، مثل:
كليات الطب بكافة فروعه (الجراحة، الأطفال، الجلدية، القلب، الأعصاب…).
كليات الهندسة (الميكانيكية، الكهربائية، المدنية، البرمجيات، الطيران…).
كلية التمريض وكلية العلاج الطبيعي.
كلية الصيدلة وكلية العلوم الطبية التطبيقية.
كلية تكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني.
كلية الإعلام والاتصال الرقمي.
كلية اللغات والترجمة.
كلية إدارة الأعمال وريادة الأعمال.
كلية القانون والتحكيم الدولي.
كليات السياحة والفندقة والطيران المدني.
كليات علوم البيئة والطاقة المتجددة.
كليات التصميم والفنون الرقمية.
وهناك حاجة ملحة لتوفير برامج مزدوجة مع جامعات عالمية، تمنح شهادة مزدوجة، وتتيح للطالب الدراسة في أكثر من بلد ضمن البرنامج نفسه.
خاتمة: نافذة نحو المستقبل
إن تحويل المملكة العربية السعودية إلى مركز تعليمي دولي لا يجب أن يكون طموحًا مؤجلاً، بل خطة عمل حقيقية تبدأ من اليوم. فكما نجحت المملكة في الريادة في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والخدمات الإلكترونية، فإن التعليم –بعزيمة الرؤية ودعم القيادة– قادر على أن يصنع من السعودية منارة علمية تستقطب العقول، وتصدر الفكر، وتسهم في بناء الإنسان على مستوى العالم.
فالمملكة التي تحتضن قبلة الدين، قادرة كذلك أن تحتضن قبلة العلم.