التوحيد والاجماع لا ينتجان الديمقراطية

بقلم د. ليلى الهمامي
النظام، الإخوان، اليسار، والتطرف الليبرالي، في خندق واحد:
يمكن القول بأن مع غرامشي تحولت المسالة الثقافية الى مسالة مركزية في استراتيجيا الصراع الطبقي وقلب ميزان القوى لصالح الطبقة العاملة. وطرح المسالة الثقافية يتنزل ضمن استراتيجية صياغة الوعي المضاد للاديولوجيا السائدة المجسدة للاستبداد والنابذة للاختلاف والتعدد.
واذا كانت المعارضة الليبرالية الحادة، في العالم العربي قد طرحت قضايا الحرية والعدالة والديمقراطية والتعدد من منطلقات استراتيجية، باعتبارها مفهوما شاملا لا تقف عند حدود السياسي بل تتسع لتشمل الاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي … الخ
فإن تلك المعارضة كانت المستهدف الاول من النظام العربي الرسمي لتطرفها فقط.
فالليبراليون لولا نقص الاعتدال في طرحهم لكانوا المرشح الاقرب لخلافة الانظمة القائمة او لتقاسموا السلطة مع الاحزاب الحاكمة، كما نبهت الى ذلك دائما من موقعي الليبرالي المعتدل.
وكان التطرف بشقيه اليساري واليميني الحليف الموضوعي للنظام الرسمي. وحجة النظام ان التطرف، بشقيه، يدعو الى الفتنة الداخليه اما في شكل صراع طبقي المفروض أن يفضي الى الاطاحة بالطبقات المالكة واما الى فتنة يميز فيها بين مجتمع مسلم أقلي مضطهد ومطارد ومجتمع في حالة جاهلية يحكمه نظام “كافر”…
التناقض المركزي كان يباعد اذا بين نظام الحكم وتيار ليبرالي معتدل (مثلناه في حدود امكانات الظرف) لم يطرح الى اليوم وجوده، تاركا المجال لما يسمى بالتيار الليبرالي (المتطرف).
بينما لم تكن المعارضات اليسارية والاسلاموية الا أصنافا ثانوية مرتبطة بالديناميكية الاجتماعية والنقابية خاصة أو الايديولوجية العقدية ذات الصلة بالدين في مستوى ثان، لكن جميع التيارات يجتمعون من حيث حدة طرحهم .
لكن ثمة حقيقة، ضروري ان أنبه لها هنا، ألا وهي الطبيعة التكتيكية العربية للمسالة الديمقراطية في تمشي وفي ادبيات اليسار والاسلاميين.
إن ما يجمع بين النظام العربي الرسمي والتيارات الاسلاموية واليسارية هو تحديدا نموذج الفكر الواحد والحقيقة الواحدة الذي يغني عن التعدد والاختلاف …
ولا تختلف التيارات القومية سليلة العسكريتاريا عن هذه النظم التي تقدس الاجماع وتكفر الاختلاف باعتباره فتنة “و”الفتنة أشد من القتل.
لا يختلف الاخوان عن اليسار وعن القوميين وعن الليبراليين المتطرفين وعن النظام الرسمي في نموذج الحكم المركز المنفصل والمتعالي عن المجتمع. حيث تكون الدولة غاية المجتمع وحيث يكون الاختلاف والتعدد جريمة تواجه اما بالتخوين او بالتكفير. لكنها في كل الحالات تمثل ذلك المنكر الذي يدان ويلاحق ويتم اقصائه بأشكال عدة. وليس في التاريخ ما يميز بين تيارات كليانية في فكرها وفي سلوكها السياسي.
ولم يكن الفعل ورد الفعل في تبادل العنف بين هذه التيارات الا تاكيد اخر لجذع مشترك هو فكر الاجماع والتوحيد في شكليه الميتافيزيقي والمعرفي.
كذلك اغتال الاخوان النقراشي باشا وردّ النظام باغتيال حسين البنا… وأعدم النظام الناصري السيد قطب، وخطط الاخوان لاغتيال عبد الناصر في المنشية…
ويتواصل مسلسل العنف باختلاف اشكاله وانماطه في عموم المنطقة العربية جراء الخصومة بين تيارات لا تتنازع الا احقية من يمارس الاستبداد…
لذلك كنت شخصيا ضمن اتجاه الفكر التحرري المعتدل الذي أمثّله ويمثل المدرسة الوحيدة التي تقدس التعدد والاختلاف وتثمنه وتطوعه لما يقبله المجتمع ضمن مشهد متعدد الالوان يصبغ الواقع جمالية. جمالية التسامح والتعايش ضمن الوطن الواحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى