لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: في رحاب السيدة نفيسة

تعودت كلما ضاقت بي أمور الدنيا، أن ألجأ إلى الدعاء، إلى رب العباد، وخير مكان كنت أناجي فيه رب الخلق هو مقام جامع السيدة نفيسة بالقاهرة. وكان لي مكان ثانٍ أيضًا، هو قبر والدتي – رحمها الله – ببورسعيد، الذي اعتدت أن أزوره وأطلب منها أن تقف معي كما فعلت دومًا في حياتي.
وقد تعلمت زيارة مقام السيدة نفيسة بالقاهرة من أول قائد سرية لي في الكتيبة، والذي كان من محبيها المخلصين. وخلال خدمتي في اليمن، كان لا يفتأ يتحدث عنها بمحبة وإجلال، حتى استشهد هناك فجأة. وعندما عدنا إلى أرض الوطن وصلنا إلى ميناء الأدبية، حيث انتظرنا القطار الذي سيقلنا إلى دهشور. استأذنت قائد الكتيبة وقلت له: «أريد أن أصلي الجمعة في مسجد السيدة نفيسة لأدعو لقائد السرية الذي استشهد في اليمن».
وبالفعل، نزلت إلى القاهرة صباح الجمعة، وتوجهت مباشرة إلى مسجد السيدة نفيسة. كان المكان قديمًا حينها، مختلفًا عما هو عليه اليوم، وكنت قد وصلت مبكرًا من ميناء الأدبية، فجلست في المسجد، وتلقيت من روحانية المقام نفحات عطرة زادت قلبي طمأنينة. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت زيارة مقام السيدة نفيسة نعمة كبيرة من الله، تمنحني القوة والصبر على مواجهة صعوبات الحياة.
ويشهد الله أنني فور دخولي إلى المسجد شعرت براحة عجيبة لم أشعر بها من قبل. وبعد أن صليت ركعتين وجلست قبل زيارة المقام، غمرتني سكينة لا تُوصف. دعوت كثيرًا لقائدي الشهيد – رحمه الله – وصليت له، ومنذ ذلك اليوم صرت من مريدي مسجد السيدة نفيسة.
تعددت زياراتي لهذا المكان العظيم، وكنت أحرص على أداء صلاة الجمعة فيه كلما كنت بالقاهرة. حتى جاء يوم 5 يونيو 1967، ذلك اليوم الذي شهد هزيمة موجعة لمصر. وبعد الانسحاب وعودتنا إلى غرب القناة، كان أول ما فعلته في أول إجازة لي أن ذهبت مباشرة إلى مسجد السيدة نفيسة، ومكثت طوال اليوم أصلي وأدعو الله أن يرفع الغمة عن مصرنا الحبيبة.
وخلال ست سنوات، هي عمر حرب الاستنزاف، أحرص في كل إجازة من الجبهة، وأنا على خط الدفاع الأول أمام نقاط خط برليف، أن أقضي يوم الجمعة في رحاب هذا المسجد، وأدعي كل مرة لمصر أن يُعيد لها الله أرضها… واسترداد كرامتها.
وأتذكر في يوم من الأيام، بينما كنت في زيارتي المعتادة إلى مسجد السيدة نفيسة، وعند خروجي، وقع بصري من بعيد على المشير حسين طنطاوي رحمه الله.. كان في ذلك اليوم قد أدى اليمين وزيرًا للدفاع، وكان يرتدي نظارة كبيرة تخفي ملامح وجهه قليلًا، وينتظر خروج زوجته التي كانت ترافقه في تلك الزيارة.
وبعد عدة سنوات، حين جمعتنا الظروف في لقاء، حكى لي عن ذلك اليوم، وقال إنه عاش حياته في حي عابدين والحسين، وكثيرًا ما كان يجد في قلبه ميلًا للذهاب إلى مسجد السيدة نفيسة للصلاة والدعاء. وأخبرني أنه في ذلك اليوم تحديدًا ذهب ليصلي ويشكر الله عز وجل، هو وزوجته، راجيًا من الله التوفيق في حمل هذه المسؤولية الكبيرة كوزير للدفاع في مصر.
والسيدة نفيسة – رضي الله عنها – هي ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. قدمت إلى مصر عام 193 هجريًا، وعاشت فيها حتى وفاتها عام 208 هجريًا. اختارت مسكنها بعيدًا في قصر الوالي على أطراف مدينة الفسطاط قبل تأسيس القاهرة الفاطمية. كانت عالمة زاهدة صالحة، دُعيَت «نفيسة العلم»، وقد استُجيب دعاؤها حتى أن الإمام الشافعي كان يرسل إليها يطلب منها الدعاء له. جاءت إلى مصر مع زوجها إسحاق المتوثق، ابن عمها وحفيد الإمام الحسن، وبرفقتها والدها وابنها وابنتها، وكان عمرها آنذاك 48 عامًا. وقد نال مسجدها محبة المصريين جيلاً بعد جيل.
وفي الأسبوع الماضي، أصبت بوعكة صحية شديدة، فلم أجد مكانًا ألجأ فيه إلى الله لأطلب منه الصحة والستر إلا مسجد السيدة نفيسة. ذهبت يوم الجمعة، في الصباح الباكر، فوجدت المكان يزداد جمالًا بعد أن تم تطوير المسجد بصورة رائعة، وأصبح يليق بواحدة من أهل البيت.
كما شاهدت عملية التطوير التي تتم في المنطقة الخارجية للمسجد، وتنظيم ساحة انتظار السيارات، والتي كان وضعها السابق لا يليق بحجم ونوعية التطوير التي تمت في داخل المسجد، حيث سيتم ربط مدخل جامع السيدة نفيسة. مع الطريق الدائري للقاهرة كذلك المدخل. من ناحية منطقة سيدنا الحسين.
ويشهد الله أنني وجدت الراحة التي افتقدتها طويلًا. صليت كثيرًا حتى حانت صلاة الجمعة، ثم عدت إلى منزلي بعد أن رفعت دعائي إلى رب العالمين.
في رحاب السيدة نفيسة… هناك حيث الدعوات بالصحة والستر، وهما أغلى ما يرجوه الإنسان في حياته كذلك دعوت لمصرنا العزيزة بالأمن والأمان، وعدت إلى بيتي بروح أقوى ونفسٍ مطمئنة بما نلته من نفحات الرحمة والسكينة عند مقام السيدة نفيسة – رحمها الله ليس لي فقط، ولكن لبلدنا الحبيبة مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى