سوق السلع الفاخرة المستعملة تخطف أنظار جيل جديد من العرب

كما أثبتت بعض السلع الفاخرة، لا سيما الإصدارات النادرة منها، قدرتها في الحفاظ على قيمتها على مر السنين، بل وتحقيق أرباح أكبر عند إعادة بيعها.

السلع المستعملة لم تعد خياراً من الدرجة الثانية
شهدت سوق السلع الفاخرة المستعملة نمواً متسارعاً على مستوى العالم، حيث ارتفعت مبيعاتها بنسبة 7% في عام 2024 لتتجاوز 50 مليار دولار، وفقاً لتقديرات “باين آند كومباني” (Bain & Co)، متفوقة بذلك على وتيرة نمو سوق السلع الفاخرة الجديدة. وانعكس هذا الزخم على المنطقة العربية، مع تنامي إقبال أبناء جيل “زد” على اقتناء قطع مترفة بأسعار معقولة.
هذا التحول في السلوك الاستهلاكي ترافق مع قبول متزايد لفكرة اقتناء سلع فاخرة مستعملة تحافظ على جودتها. فبدل تصويرها كقديمة أو بالية، باتت هذه القطع نادرة أو حصرية، أو تحمل طابعاً تاريخياً أو عاطفياً يجعلها أكثر تفرداً وجاذبية.
حتى أن بيع المقتنيات الشخصية الذي كان يُعتبر سابقاً دليلاً على حاجة أو ضيقة مالية، بات يُنظر إليه كفرصة استثمارية مدرة للربح، مع ازدهار تجارة إعادة بيع مقتنيات المشاهير والمؤثرين.
الاستدامة حاضرة بقوة أيضاً
تلعب الاستدامة كذلك دوراً محورياً في تعزيز هذا الاتجاه. فصناعة الأزياء واحدة من أكثر القطاعات تلويثاً للبيئة، ما يجعل من إعادة استخدام السلع الفاخرة خياراً مفضلاً لمن يسعون إلى تقليل الأثر البيئي دون التنازل عن الأناقة. فبات اختيارهم لقطع قديمة يظهرهم كأشخاص تقدميين.
وإلى جانب البعد البيئي، ينظر كثيرون إلى سوق إعادة بيع السلع الفاخرة كفرصة استثمارية. فقد أثبتت بعض القطع —مثل الحقائب والساعات النادرة من دور أزياء عريقة— قدرتها على الاحتفاظ بقيمتها بل زيادتها مع مرور الوقت.
كما يتجه البعض إلى سوق إعادة البيع من أجل اقتناء قطع يصعب شراءها مباشرة من العلامة التجارية بسبب قوائم الانتظار الطويلة والشروط الصارمة التي تفرضها بعض دور الأزياء الحصرية. وفي هذه الحالة، قد يدفع الزبائن ثمنها أضعاف سعرها الأصلي.
ساهم انتشار المنصات الرقمية والمتاجر المتخصصة في تسهيل عمليات بيع وشراء هذه السلع، مع تقديم خدمات التحقق من الأصالة، ما عزز ثقة المستهلكين.
وفيما حاولت بعض العلامات الراقية في البداية مقاومة سوق السلع المستعملة خشية المساس بصورة الحصرية التي تحرص على ترسيخها، اختارت علامات أخرى مواكبة التحوّل، فأطلقت برامج رسمية لإعادة البيع أو دخلت في شراكات مع منصات متخصصة، ما جذب شرائح أوسع إلى هذه السوق حيث بات اسم العلامة هو الضمانة.
برز أيضاً توجّه متصاعد نحو تأجير المقتنيات الفاخرة، يتيح للمستهلكين اختبار تجربة الترف بأسعار أقل من كلفة الشراء، لا سيما في المناسبات الخاصة التي تتطلّب قطعاً لافتة دون الحاجة للاقتناء الدائم.

السلع الفاخرة المستعملة في الشرق الأوسط
تشهد سوق السلع الفاخرة المستعملة في الشرق الأوسط، ولا سيما في دول الخليج، نمواً متسارعاً في معدلات الشراء وإعادة البيع، مدفوعة بتغير توجهات المستهلكين وتوسع المنصات الرقمية.
ووفقاً لتقرير أصدرته مجموعة “شلهوب” في ديسمبر 2023، تُقدّر قيمة سوق إعادة بيع السلع الفاخرة في دول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من 500 مليون دولار، مع توقعات بأن يتراوح النمو السنوي بين 10% و15% ليصل حجم السوق إلى ما بين 760 و780 مليون دولار بحلول عام 2026.
أشار التقرير إلى أن الطلب يتركز على الحقائب (20%) والساعات (18%) والمجوهرات (16%). ويعود هذا الإقبال إلى دوافع متعددة أبرزها الأسعار المعقولة (43%)، والقيمة الاستثمارية للسلع (42%)، فضلاً عن الرغبة في الحصول على إصدارات نادرة أو محدودة (40%).
وبحسب التقرير، فأن أبناء الجيل “زد” هم القوة الدافعة وراء نمو سوق إعادة البيع بشكل عام في دول الخليج، بفضل وعيهم العالي تجاه الاستدامة مقارنة بالأجيال السابقة، ودورهم المحوري في كسر الصورة النمطية المرتبطة بالمنتجات المستعملة. كما ينظر هذا الجيل إلى إعادة البيع كطريقة تجمع بين السلوك المسؤول بيئياً والرغبة في تنويع الإطلالات باستمرار.
وواكب هذا النمو اللافت بروز عدد من منصات إعادة البيع في المنطقة، من بينها (The Luxury Closet)، التي تأسست عام 2011 في دبي وتُعد من أبرز الجهات الفاعلة في هذا المجال. وتشير مايا قزي، مسؤولة صورة العلامة التجارية في الشركة في تصريح لمجلة “فوغ أرابيا”، إلى ارتفاع مبيعات السلع الفاخرة القديمة عبر المنصة بنسبة تقترب من 25% خلال عام 2024، مع تصدر الإمارات هذه المبيعات، تليها الولايات المتحدة والسعودية. وذلك مع انتشار موضة الـ”Vintage”، أي التصاميم القديمة التي عادت رائجة.
وأوضحت أنه رغم أن الحقائب دائماً ما تسجل الإقبال الأعلى، فإن الطلب على الملابس القديمة كان الأسرع نمواً بزيادة بلغت 15%.
وأكدت سارة تيمور، الرئيسة التنفيذية لمنصة (Amused) السعودية، تسجيل المنصة نمواً سنوياً يتجاوز 50% مع معدلات احتفاظ مرتفعة بالعملاء، ما يعكس رسوخ هذا التوجّه في المنطقة.
التحقق من أصالة السلع الفاخرة
برزت خلال السنوات الماضية منصات متخصصة عالمية وإقليمية لإعادة بيع وشراء السلع الفاخرة المستعملة، نجحت في ترسيخ مكانتها وبناء سمعة إيجابية. تبدأ العملية عادةً عبر تحميل البائع صور القطعة الفاخرة عبر تطبيق أو موقع المنصة، ليجري لاحقاً تقييمها من قِبل فريق متخصص يحدد سعرها بناءً على العلامة التجارية وحالة المنتج وندرته ومدى الطلب عليه. وفي حال الموافقة، يتم استلام القطعة وتخضع لسلسلة من الإجراءات تشمل التحقق من أصالتها ووصولات الشراء والفواتير والشهادات، ثم تصويرها احترافياً، وإدراجها على المنصة للبيع.

تتيح هذه المنصات للمشترين تصفح مجموعات واسعة من المنتجات المصنفة حسب الفئة مثل الحقائب، الأحذية، المجوهرات، والملابس، مع إمكانية تصفية النتائج بحسب العلامة التجارية أو السعر أو حالة القطعة، والتي قد تتراوح بين ممتازة أو حتى جديدة إلى مستخدمة بحالة جيدة.
وإلى جانب المنصات الرقمية، انتشرت متاجر فعلية، تتيح للزبائن معاينة القطع الفاخرة شخصياً قبل الشراء.
كما نشطت مجموعات متخصصة على وسائل التواصل الاجتماعي تعرض سلعاً فاخرة مستعملة، ولو أن عمليات الشراء عبرها تفتقر لما يكفي من الحماية.
وفيما يخص التحقق من الأصالة، تؤكد المنصات الرائدة التزامها الصارم. وتشير منصة “The Luxury Closet” مثلاً إلى أنها تضمن أصالة منتجاتها بنسبة 100% مع كفالة مدى الحياة، موضحة أن فريق الخبراء لديها يقيّم كل قطعة استناداً إلى معايير دقيقة تشمل الأختام والأجزاء المعدنية والخياطة وتناسق التصميم وجودة المواد والطباعة والرموز،والملصقات الهولوغرافية والتغليف الأصلي.
وعلى الصعيد الدولي، فإن منصة “Vestiaire Collective” الفرنسية تدرّب موظفيها على أكثر من 750 ساعة لفهم المواد والتقنيات، واستخدام أدوات دقيقة كالعدسات المكبرة ومصابيح الأشعة فوق البنفسجية، بالإضافة إلى التعرف على أساليب التزوير المتطورة. وتطبق المنصة برنامج تحقق مكوّناً من 12 خطوة للتأكد من أصالة كل منتج.
وتتجه منصات إعادة البيع اليوم نحو استخدام تقنيات أكثر تقدماً، مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية بلوكتشين، لتعزيز دقة عمليات التحقق. ويأتي ذلك في ظل تطور مذهل في تقنيات التزوير، حيث بات بعض المقلّدين يستخدمون نفس أنواع الجلد من المدابغ الأصلية، بل وحتى نفس الموردين للقطع المعدنية. إذ تقدّر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حجم سوق السلع المقلدة حول العالم بنحو 467 مليار دولار.

تحديات سوق السلع الفاخرة المستعملة
رغم النمو الذي تشهده سوق إعادة بيع السلع الفاخرة المستعملة في الشرق الأوسط، إلا أنها لا تزال دون المستوى العالمي، وذلك يعود إلى جملة من العوامل، أبرزها أن الاستدامة لا تزال مفهوماً ناشئاً نسبياً في المنطقة، إذ تحتل المرتبة التاسعة فقط ضمن أولويات المستهلكين في الخليج مثلاً عند اختيار علامة فاخرة، في حين يأخذ 65% من المستهلكين في الولايات المتحدة التزام دور الأزياء بالاستدامة بعين الاعتبار، بحسب تقرير مجموعة “شلهوب”.
كما تلقي الوصمة الثقافية المرتبطة بالسلع المستعملة بظلالها على نمو السوق، لا سيما في أوساط جيل الألفية الذي يُعد المحرّك الرئيسي للطلب على السلع الفاخرة في الخليج. يُضاف إلى ذلك أن القدرة الشرائية المرتفعة لسكان الخليج تقلل من الحاجة لشراء سلع مستعملة،
كما هناك تحديات أخرى لا تقلّ تعقيداً، منها الخوف من التزوير، وهو قلق حقيقي في سوق تتعامل مع منتجات عالية القيمة. ورغم ما تبذله منصات إعادة البيع الإقليمية والعالمية من جهود لضمان الأصالة، فإن بناء الثقة يتطلب وقتاً وجهوداً تثقيفية لترسيخ وعي المستهلك بكيفية التحقق من المنتج قبل الشراء.
كما تعاني السوق من غياب معايير موحدة للتسعير، ما يؤدي إلى تفاوت في السعر بين المنصات، ناهيك عن تعقيدات الشحن في الدول العربية خارج منطقة الخليج، والتعريفات الجمركية في بعض الدول عند الطلب من منصات أجنبية، ما يزيد الكلفة على العملاء.
يُضاف إلى ذلك التحفظ الذي كثيراً ما أبدته دور الأزياء العالمية الكبرى مثل “شانيل” و”هيرميس” و”لوي فيتون” على السوق الثانوية خشية أن تؤثر سلباً على الطلب على المنتجات الجديدة أو أن تضرّ بصورة الحصرية التي تحرص على ترسيخها.
مع ذلك، بدأ مشهد جديد يتشكل، مع مبادرة علامات مرموقة إلى إطلاق برامج لإعادة البيع خاصة بها مثل “رولكس“. كما أبرمت علامات أخرى شراكات مع منصات إعادة بيع، مثل شراكة “Vestiaire Collective “مع خمس علامات تجارية، منها “ألكسندر ماكوين” و”مولبري”.