النفوذ الصينى لدى إسرائيل لوقف دائرة الصراع بين تل أبيب وطهران

 

 

 

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

 

    يمكن أن تلعب الصين دوراً كبيراً فى تخفيف حدة تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران، حيث تعد الصين هى الطرف الأكثر أهمية فى الوقت الراهن للقيام بدور الوساطة بين إسرائيل وإيران لوقف الهجمات الإسرائيلية على طهران ووقف الرد الإيرانى عليها فى عمق تل أبيب. وعلى المستوى الشخصى والأكاديمى والتحليلى، فلقد قدمت مقاربة أكثر شمولاً من خلال تحليلى على موقع “المودرن دبلوماسى” للتحليلات السياسية العالمية منذ عدة أشهر، مفاده قيام الصين بدور الوساطة بين إسرائيل وإيران لحل الخلافات بينهما تمهيداً لإرساء السلام الإقليمى والدولى الشامل بين جميع أطرافه، مع إمكانية عمل إتفاقية سلام شاملة بين إيران وإسرائيل برعاية صينية، وإفتتاح سفارة إسرائيلية فى العاصمة طهران وبالمثل إفتتاح سفارة إيرانية فى تل أبيب، لأنه وفق تصورى كأكاديمية متخصصة ومعروفة دولياً فى الشأن السياسى الصينى، فإن الصين هى الطرف الوحيد الأكثر مصداقية الذى يمكن أن تعول عليه كل الأطراف فى صياغة إتفاقية سلام شاملة بين أطرافه، وفق المبادرة التى أطلقها الرئيس الصينى “شى جين بينغ” المعروفة بإسم “مبادرة الأمن العالمى”، والتى تقوم بنودها على تبنى الصين نهجاً شاملاً فى إدارة كافة الصراعات والأزمات حول العالم تمهيداً لحلها والتوسط فيها، وفقاً كذلك لمبدأ الحوار بين الجنوب – الجنوب الذى ترعاه وتتبناه الصين، للنهوض بدول الجنوب العالمى النامى بإعتبار الصين قائدته والمسئولة عنه والداعمة له عالمياً كأكبر بلد نامٍ حول العالم.      

 

  وعلى الجانب الآخر، تؤيد معظم دول الشرق الأوسط قيام الصين بدور عالمى جديد، رغم أن تحقيق رؤية الصين للأمن العالمى بالشرق الأوسط لا يخلو من التحديات على المدى الطويل بسبب الخلافات المتعمقة بين أطرافه وعلى رأسها الصراع العربى الإسرائيلى والصراع الإيرانى الإسرائيلى، وهنا فالحلول المرضية لأزمات الشرق الأوسط، تتطلب التوافق الدبلوماسى والجيوسياسى والأمنى بين الصين مع إيران وإسرائيل وكافة الدول العربية والإسلامية والخليجية كذلك، فضلاً عن أنها تحتاج إلى موقف صينى أكثر حسماً بشأن الأحداث المضطربة والمربكة فى المنطقة حفاظاً على مصالح الصين فى تدفقات التجارة العالمية والحفاظ على أمن الملاحة البحرية والنقل البحرى واللوجستى عالمياً عبر مضيق هرمز وباب المندب اللذين تتحكم فيهما إيران وعبر قناة السويس المصرية.       

 

   وهنا تعتبر الصين شريكاً موثوقاً به لدى أغلب بلدان المنطقة للقيام بدور أكثر نشاطاً فى المساعدة على إدارة الاضطرابات الإقليمية والتوسط لحل صراعات مختلفة، لا سيما أن بكين لا تحمل الأعباء التاريخية لنظرائها الغربيين وأن النفوذ الأمريكى خاصةً فى منطقة الشرق الأوسط يعانى نتيجة إرتباطه بالدور الإسرائيلى فى المنطقة خاصةً بعد التدمير الإسرائيلى لقطاع غزة والتسبب فى إزهاق أرواح مئات الآلاف من أبناء غزة منذ بدء هجوم حماس فى السابع من أكتوبر ٢٠٢٣. وهنا حاولت الصين تقديم العديد من الإقتراحات لإيقاف الحرب على غزة، وجمعت بين حركتى حماس وفتح، ودعت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى تهدئة الصراع، كما إقتنصت بكين فرصة إنعقاد إجتماعاتها مع وزراء الخارجية العرب والخليجيين لإعادة التأكيد على خطط السلام المتعددة التى إقترحتها فى السابق. وهنا حدد الرئيس الصينى ‘شى جين بينغ” طريقة تعامل الصين مع الشرق الأوسط، بأنه: “تلتزم الصين بتحديد سياستها وإتخاذ إجراءاتها تجاه الشرق الأوسط بناء على الحقائق عن القضايا ذاتها، وإنطلاقاً من المصلحة الأساسية لشعوب المنطقة. نعمل على النصح بالتصالح والحث على التفاوض ولا نقوم بتنصيب الوكلاء، نبذل الجهود لتكوين دائرة الأصدقاء لمبادرة الحزام والطريق التى تغطى الجميع”.                   

 

 وتتمتع الصين بما يكفى من النفوذ – وخاصةً مع إسرائيل – للعب دور الوسيط الموثوق فى هذا الصراع، حيث تعول إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كذلك على الدور الذى يمكن أن تلعبه بكين فى الوقت الحالى لوقف الهجوم المتبادل بين إيران وإسرائيل، خاصةً مع عدم توقع الجيش الإسرائيلى بأن يكون الرد الإيرانى عليها فى قلب تل أبيب بهذا العنف والدقة على أهداف داخل إسرائيل ذاتها. ويمكن للصين كذلك أن تلعب دوراً مزدوجاً لتهدئة الحرب بين إسرائيل وحركة حماس عبر عمل مصالحة شاملة مع كافة الفصائل السياسية المدعومة من إيران حليفة الصين كحركة حماس وميليشيا الحوثيين المدعومين من إيران وحزب الله فى لبنان، ويمكن أن يلعب المبعوث الصينى الخاص للسلام فى الشرق الأوسط “تشاى جون” هذا الدور عبر التفاوض مع كافة تلك الأطراف المعنية تمهيداً لعمل مصالحة شاملة بين كافة الأطراف برعاية ودعم وتوجيه صينى. خاصةً بعدما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية فى بداية حرب “طوفان الأقصى” بين حركة حماس وإسرائيل فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، إستخدام نفوذ الصين بالفعل لمنع إتساع رقعة النزاع. كما تأمل واشنطن كذلك، بأن تساهم الصداقة التى تربط الصين بإيران الداعمة لحماس وباقى الحركات الأخرى فى تهدئة النزاع، خصوصاً بعدما رعت بكين إتفاقاً لتحسين العلاقات بين طهران والرياض من قبل.            

 

ولدى الصين النفوذ الكافى الذى يمكنها من ممارسة تأثير ما على تل أبيب، ويمكننا الرجوع فى هذا الصدد، إلى تقرير مطول نشره (موقع قناة التليفزيون الإسرائيلى “القناة ١٢” العبرية، عن أهمية توثيق العلاقات الإسرائيلية الصينية، ليس فقط لمواجهة التهديد الإيرانى، بل من أجل حسب ما أسمته القناة الإسرائيلية، لملاحقة (الركب العالمى الجديد) الذى تصيغه الصين، خاصةً فى مجال التكنولوجيا الفائقة. وقد ناقش تقرير القناة ١٢ العبرية هذا التحليل عن أبرز المتغيرات الأساسية التى تضعها إسرائيل فى حساباتها للعلاقات مع الصين، وعلى رأسها (مجال ريادة الأعمال)، ومن بينها الدوافع والتحديات التى تواجه هذه العلاقات مع بكين. مع إهتمام الجانب الإسرائيلى بالفعل برسم خريطة السياسات ذات الإهتمام لدى صناع القرار الإسرائيليين من أجل تعزيز وضع الإقتصاد الإسرائيلى على الخريطة العالمية عبر التقارب إقتصادياً مع الصين، مع دعم ملف ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى إسرائيل عبر التعاون مع الصين. 

 

 وبناءً عليه، تحتاج إسرائيل إلى الصين وبشدة لدعم بنيتها التحتية، مثل: (الطرق، والكبارى، والأنفاق، ومحطات تحلية المياه، والكابلات ومعها الألواح الشمسية، والموانئ البرية والبحرية)، مع العلم بأن ٩٠% من تجارة إسرائيل ترتبط بالبحرين المتوسط والأحمر، بما لبكين من حضور طاغٍ وتأثير لدى إيران حليفتها لحماية حركة الملاحة والمضائق البحرية اللذين تتحكم فيهم إيران عبر مضيق هرمز وباب المندب فضلاً عن علاقة الصين بمصر ونفوذها عبر قناة السويس المصرية، وهو ما يمكن أن تعول عليه تل أبيب كثيراً لممارسة الصين نفوذ لتمرير مصالحها وعدم عرقلة تجارتها وحركة التجارة فى المنطقة.      

 

  وهناك العديد من العوامل التى  يمكن أن تؤثر على موقف بكين فى الوقت الحالى فى الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران، أهمها (سلامة مواطنيها لدى الجانبين الإسرائيلى والإيرانى)، حيث تعمل وزارة الخارجية الصينية عبر سفاراتها وقنصلياتها العامة لدى كلاً من إيران وإسرائيل فى الوقت الحالى، من أجل ترتيب إجراءات عاجلة لإجلاء المواطنين الصينيين فى كل من إيران وإسرائيل، وذلك وسط تصاعد التوترات بين تل أبيب وطهران. كما قامت السلطات الصينية بتفعيل آلية الإستجابة للطوارئ بشكل فورى، وحثت كلاً من إسرائيل وإيران على ضمان سلامة المواطنين والمؤسسات الصينية. كما أصدرت السلطات الصينية تنبيهات وإرشادات تحافظ على التواصل المستمر مع المواطنين الصينيين والمنظمات فى المنطقة لتنفيذ تدابير السلامة لمواطنيها، وهو ما تم بالفعل من إجلاء لبعض المواطنين الصينيين بشكل آمن ونقلهم إلى دول مجاورة.          

 

كما أن الصين تتخوف من تصريحات لفيديو منشور علمياً لحديث لرئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو”، يؤكد فيه بأن إسرائيل ستدمر الدول الإسلامية ذات السلاح النووى غير الحليفة لإسرائيل، وعلى رأسها بالقطع إيران وباكستان. وفى هذا الإطار، قد تهب الصين لمساعدة إيران فى حال محاولة إسرائيل نشر الفوضى بشكل كامل داخل ايران تمهيداً لخطة تقسيم الأراضى الإيرانية ذاتها إلى مناطق نفوذ وعدة دويلات للأقليات العرقية والدينية والطائفية، وهو ما تتخوف منه بكين حفاظاً على وحدة وسلامة الأراضى الإيرانية، وخوفاً من التخطيط الإستخباراتى الأمريكى – الإسرائيلى لعمل (دولة كردستان) على إمتداد حدود مناطق كل من (إيران، سوريا، العراق، تركيا) مما يضر بالمصالح الصينية لخلق دولة موازية فى المنطقة موالية لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ومن وجهة نظرى، فلن تتحرك بكين بمفردها فى الوقت الحالى، بل من خلال باكستان حليفتها الوثيق حيث الممر الإقتصادى الصينى – الباكستانى وميناء جوادر الباكستانى ذات الإستثمارات الضخمة الصينية. وللصين حضور بالفعل فى هذا الصراع. فالحرب الدائرة اليوم هى حرب بالوكالة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية لتدمير إيران حليفة الصين، بينما تعمل تل أبيب كجيش بالوكالة لأمريكا. وباكستان حليف إقتصادى قوى للصين، بالإضافة إلى كونها قوة نووية مثل إيران. ويمكننا الرجوع فى هذا السياق إلى تصريح الجانب الباكستانى، بأن إسرائيل إذا إستخدمت أسلحة نووية على الأراض  الإيرانية، فسترد بالمثل على إسرائيل. مع الوضع فى الإعتبار، بأن إسرائيل تحاول من خلال الشخصيات والمواقع التى إستهدفتها داخل إيران التأثير على الوضع السياسى الداخلى فى إيران، أما من الناحية العسكرية فقد هدفت الضربة العسكرية الإسرائيلية إلى التقليل من مستوى القدرات والإمكانيات العسكرية لدى طهران حليفة الصين، وهو ما يستدعى حماية مباشرة من الصين لحليفتها الإيرانية ربما عبر التحالف مع باكستان.     

 

  وهنا تدرك الصين جيداً بأن الهدف من وراء الهجمات الإسرائيلية على إيران ليس البرنامج النووى الإيرانى فى حد ذاته كما يدعى رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو”، وهو المطلوب بالأساس لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة إرتكاب جرائم حرب فى غزة، لأن طهران لا تملك المستوى الكافى من اليورانيوم المخصب لإنتاج أسلحة نووية. وهنا يكمن الهدف الحقيقى من وراء ضرب إسرائيل وهجومها غير المبرر فى الوقت الحالى على إيران فى محاولة يائسة من ‘نتنياهو” للخروج من الأزمات الداخلية، لأن العملية العسكرية الإسرائيلية فى قطاع غزة دخلت فى نفق مسدود، فضلاً عن الضغوط التى يتعرض لها “نتنياهو” من جانب المعارضة والمظاهرات المناهضة لسياساته داخلياً.            

 

وعلى الجانب الآخر، فهناك العديد من المخاطر الإقتصادية والدبلوماسية التي تواجهها الصين فى حال إضطلاعها بالدور الذى ذكرته سابقاً لحل إشكالية الصراع الإسرائيلى الإيرانى الدائر، كذلك فإنه فى حال تدخل الصين ومشاركتها فى جبهة الصراع، فهو ما يمكن إعتباره تحدياً لنفوذ الولايات المتحدة فى المنطقة، بما قد يعنيه ذلك لأهداف بكين الأوسع فى السياسة الخارجية، كذلك فإن هنالك العديد من المخاطر التى تواجهها الصين في حال إعتُبرت منحازة بشكل مفرط لإيران، وربما يمكن أن يؤثر ذلك على علاقاتها فى الشرق الأوسط ككل. مع الوضع فى الإعتبار بأن الصين أعربت عن دعمها الصريح لإيران فى مواجهة الهجمات الإسرائيلية، منددة بما وصفته بالإنتهاك الإسرائيلى الصارخ للقانون الدولى. حيث تؤكد كافة البيانات والتصريحات الرسمية الصينية، عن دعم بكين لطهران فى الدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة، وضمان أمن وسلامة شعبها، وذلك بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية الصينية. وفى الوقت ذاته، جاء الرفض الصينى، بأن “أفعال إسرائيل تنتهك بشدة المعايير الأساسية التى تحكم العلاقات الدولية”، وبأن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على منشآت نووية إيرانية تشكل سابقة خطرة قد تكون تداعياتها كارثية على المجتمع الدولى بأسره وعلى إستقرار منطقة الشرق الأوسط.  ولن تقتصر آثار المواجهة على إيران وإسرائيل وحدهما، بل تمتد تداعياتها لتطال البنية الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط بأسره.   

 

 كما أن هناك قلق صينى حقيقى من أن تؤثر الضربة العسكرية الإسرائيلية على إيران على إستقرار طرق إمداد الطاقة فى الشرق الأوسط وعلى مشروعات الصين عبر مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما يعكس أن أولويات بكين فى الوقت الحالى هى حماية خطوط تجارتها. كما أن إستمرار نطاق الصراع بين إسرائيل وإيران قد يضر بالمصالح الإقتصادية للصين، بإعتبارها أكبر مستورد للنفط الأجنبى خاصةً من إيران حتى فى ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، لذا بات يقلقها إحتمال تأثير توسع الحرب الدائرة فى الشرق الأوسط على إمدادها بالنفط وعلى أجور العاملين فى هذا القطاع، وذلك لأن إيران تبيع نفطها بسعر زهيد، لذا فإن أى غارة إسرائيلية تستهدف مقار النفط الإيرانية، يمكن أن تجبر الصين على الإعتماد بشكل أكبر على جهة مصدرة أخرى لكنها تفرض تكاليف أعلى، كالسعودية مثلاً، وأيضاً يمكن أن تتعرض الشحنات السعودية للإعتراض فى (مضيق هرمز أو البحر الأحمر) بسبب الغارات الصاروخية التي تشنها إيران أو ميليشيا الحوثيين المدعومين من إيران، والذين تدعمهم إيران فى اليمن.           

 

وبدورها تمثل إيران للصين مصدر مثمر للطاقة، كسوق مهمة وموقع مركزى فى الطريق نحو أوروبا، ولا يقل عن ذلك أهمية كونها تمثل تحدى إستراتيجى لأمريكا فى الشرق الأوسط على غرار ما تمثله كوريا الشمالية لها فى منطقة شرق أسيا. ومن أجل ذلك تتخوف الصين من توسع نطاق وأمد الحرب بين إسرائيل وإيران على نطاق واسع، لأن قيام حرب كبرى فى المنطقة قد يهدد المصالح التجارية للصين فى الشرق الأوسط، خاصةً مع الإستثمارات الضخمة للصين بمليارات الدولارات فى مشاريع الطاقة والبنية التحتية فى المنطقة، خاصةً فى دول الخليج العربى كالسعودية والإمارات. كما تعد إسرائيل أيضاً من الدول التى حظيت بإستثمارات صينية ضخمة، وذلك على الرغم من دعم الصين للقضية الفلسطينية. وبناءً عليه، فتوسع أمد الصراع الإسرائيلى الإيرانى، قد يضر بالنهج الذي تنتهجه الصين من خلال مبادرتها للحزام والطريق، والتى لا تولى أى إهتمام بالسياسة، والتى سعت الصين لتقديم نفسها فى المنطقة من خلالها كقوة إقتصادية وإستثمارية لا يهمها التدخل فى شئون المنطقة، بل كقوة تسعى إلى تعزيز صورتها فى دول العالم الثالث ودول الجنوب العالمى النامى، التي ترى فى الصين كقوة تعادل قوة أمريكا من حيث وزنها وثقلها.              

 

وأخيراً، فإن هناك العديد من التداعيات الأوسع نطاقاً فى حال تفاقم الصراع بين إسرائيل وإيران وتحوله إلى صراع إقليمى، لأن هناك مخاوف من أن يقود الهجوم الإسرائيلى على إيران إلى حرب عسكرية شاملة وواسعة النطاق بالمنطقة. خاصةً بعد تهديد القيادات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة التجارة العالمية بعد العدوان الإسرائيلى عليها. ويعد مضيق هرمز أحد أهم شرايين النفط فى العالم، ويربط الخليج العربي ببحر العرب، ويمر به قرابة ٢٠ مليون برميل من النفط ومشتقاته يومياً، وهو ما يمثل نحو خمس شحنات النفط العالمية، مما يجعل محاولة إغلاقه تؤثر على أسواق الطاقة عالمياً. ويشكل الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران ضغطاً متزايد على العلاقات فى جميع أنحاء العالم، بما فى ذلك بين القوى الكبرى.  كما أنه من المتوقع أن تُعرقل الصين ومعها روسيا فى أعقاب الضربات الإسرائيلية على إيران، لأى قرارات للأمم المتحدة تنتقد إيران، وستعارض أى إستخدام للقوة ضدها.    

 

 وفى حالة تفاقم حدة الصراع بين إسرائيل وإيران إلى عدة جبهات، ترى الصين بأن من حقها مساعدة حليفتها الوثيق الإيرانى، خاصةً فى ظل إحتفاظ الصين بعلاقات إستراتيجية وإقتصادية وثيقة مع إيران، حيث تعد الصين هى أكبر مستورد للنفط الإيرانى، خاصةً فى ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران. وفى المقابل، تتبنى بكين موقفاً حذراً تجاه إسرائيل، على الرغم من العلاقات التجارية المتنامية بين الجانبين. ويأتى هذا الحراك الدبلوماسى الصينى للتهدئة بين إيران وإسرائيل، تخوفاً من إمتداد نطاق الحرب لإقليمية ودولية. خاصةً فى ظل تصاعد المواقف الدولية، مع وجود تكهنات بإمكانية إنضمام بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا للحرب فى جبهة إسرائيل ضد إيران، مع دراسة عدداً من الدول الغربية لعدة خيارات لدعم إسرائيل عسكرياً، فى الوقت الذى حذرت فيه إيران من أن أى تدخل غربى ربما سيقابل برد مباشر على قواعده المنتشرة فى الشرق الأوسط، خاصةً تلك القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة على عدة جبهات فى المنطقة.       

 

 وعلى الجانب الآخر، فهناك توجه مقلق فى المجال العسكرى – الأمنى لدى إسرائيل تجاه تنامى العلاقات العسكرية بين الصين وإيران، مع تزايد التعاون العسكرى، التكنولوجى، الإستخباراتى والأمنى بين الصين وإيران. كما أن نقل تكنولوجيا عسكرية صينية، تستخدمها إيران لتطوير وإنتاج منظومة أسلحة، تراها إسرائيل بأنها قد تلحق الضرر بها. كما تجسد الأمر بصواريخ عنقودية صينية أطلقها (حزب الله) تجاه إسرائيل. كما تتضاعف الدلالات العلنية لتعاون عسكرى متزايد بين الصين وإيران، مثل: (مناورات عسكرية مشتركة، زيارات إلى المرافئ والموانئ والمضائق البحرية، وزيارات لمسؤولين بحريين وعسكريين وأمنيين)، الأمر الذى تتخوف منه كلاً من واشنطن وتل أبيب تجاه تنامى العلاقات العسكرية بين الصين وإيران. خاصةً مع توسع نطاق تدريب بكين للقوات الإيرانية على مجال القتال البحرى، مع إمداد الصين لحليفتها الإيرانية بصواريخ مضادة للسفن، تراها إسرائيل تهديداً مباشراً لها فى البحر المتوسط والبحر الأحمر، وفى الوقت ذاته تتخوف دول الخليج من تنامى القوة العسكرية الإيرانية بمساعدة الصين فى مواجهتها، فضلاً عن تخوف الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بسبب الأساطيل والقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة فى الشرق الأوسط وفى غرب المحيط الهادئ.       

 

وترى إسرائيل ودول الخليج بأن المساعدة الصينية لطهران، تعزز التهديد المباشر على أمن إسرائيل والخليج على حد سواء من جهة إيران، وتحسن إمكاناتها، وتوسع قدراتها على إستهداف إسرائيل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر مشروع (حرب الوكلاء)، وعلى رأسهم: (حزب الله في لبنان، ميليشيا الحوثيين فى اليمن، الميليشيات الشيعية فى سوريا والعراق).         

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى