أحمد الشرع والهندسة الأمريكية الإسرائيلية لشرق أوسط جديد

بقلم: ناصر السلاموني
ما يحدث في سوريا اليوم ليس مجرد تصعيد عسكري أو مواجهة تقليدية، بل حلقة محورية في مشروع إعادة تشكيل المنطقة. القصف الإسرائيلي الذي استهدف قلب دمشق – من مبنى وزارة الدفاع إلى الأركان وربما القصر الرئاسي – يكشف حجم التحولات العميقة التي تشهدها البلاد تحت قيادة أحمد الشرع، الرجل الذي تحول من قائد لجبهة النصرة إلى رئيس دولة، بعد مسار طويل من إعادة التدوير السياسي برعاية أمريكية وخليجية.
من مطارد إلى شريك سياسي
أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ”أبو محمد الجولاني”، كان على قوائم الإرهاب الدولية لسنوات، قبل أن يُعاد تأهيله ليصبح واجهة جديدة لمشروع خارجي يستهدف سوريا. هذا التحول لم يكن طبيعيًا ولا ذاتيًا، بل جزءًا من استراتيجية متقنة اعتمدت على “هندسة القيادة الوظيفية”: صناعة قادة محليين بهوية هجينة، يجمعون بين تاريخ جهادي يكسبهم شرعية أمام القواعد المسلحة، واستعداد سياسي لتبني أجندات القوى الكبرى.
واشنطن، التي كانت تصفه بالإرهابي الأخطر، رفعت عنه العقوبات، بل وأعادت لسوريا تحت قيادته جزءًا من الشرعية الدولية، مقابل تنفيذ بنود غير معلنة، أولها: تفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية، وعلى رأسها الجيش، وفتح المجال أمام ترتيبات إقليمية تضمن بقاء سوريا ضعيفة ومجزأة.
مفارقة القصف الإسرائيلي
المفارقة الكبرى أن الشرع، منذ توليه الحكم، لم يُطلق طلقة واحدة تجاه إسرائيل، بل سعى لتجنب أي مواجهة، وأبدى انفتاحًا غير مسبوق على التسوية. ومع ذلك، استهدفته الغارات الإسرائيلية بعنف. لماذا؟ لأن الهدف الإسرائيلي لا يتعلق بالشرع كشخص، بل بالبنية السورية نفسها. تل أبيب لا تريد نظامًا قويًا قادرًا على بناء جيش ومؤسسات، بل تريد سوريا ضعيفة، طائفية، غارقة في الانقسامات، حتى تُضمن السيطرة الاستراتيجية على الممرات الإقليمية.
تقرير القناة 12 العبرية أكد أن مفاوضات تجري خلف الكواليس للتوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، وأن الشرع يسعى لبناء علاقات تدريجية تنتهي بسلام شامل، لكن ضمن “صفقة كبرى” تشمل إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية بما يخدم مشروع “الممر التجاري الهندي–الخليجي–الإسرائيلي–الأوروبي”، متجاوزًا قناة السويس ومهددًا النفوذ المصري.
الوظيفة الاستراتيجية للشرع
هذا الدور الوظيفي يظهر بوضوح في سياسة الشرع الداخلية والخارجية. داخليًا، سمح بانهيار البنية الأمنية، وأطلق يد الأجهزة لتصفية الأصوات المعارضة، من إعلاميين وصحفيين، بينهم حسن ظاظا الذي لا يزال مصيره مجهولًا رغم المناشدات. خارجيًا، لم يعترض على تدمير إسرائيل لمعسكرات الجيش ومستودعات الذخيرة، بل قدم تنازلات واسعة للولايات المتحدة وإسرائيل، مقابل بقاءه في السلطة تحت غطاء دولي.
المشهد الإقليمي الأوسع
التحركات الإسرائيلية الأخيرة، خاصة في السويداء، ترتبط بمشروع أوسع يهدف إلى فتح ممر بري يصل الخليج بالمتوسط، عابرًا للجولان السوري المحتل. أي قوة عسكرية قادرة على تهديد هذا الممر تُعتبر هدفًا للتصفية، حتى لو كانت حليفة في لحظة ما. لهذا السبب، تتعامل إسرائيل مع سوريا بمنطق الضربة الاستباقية، مدعومة بدعم أمريكي وصمت عربي.
خاتمة تحليلية
أحمد الشرع ليس مشروعًا وطنيًا، بل منتج استخباراتي متعدد الجنسيات، صُمم لخدمة معادلة جديدة في الشرق الأوسط: دول مفككة، جيوش غائبة، وممرات مفتوحة أمام النفوذ الإسرائيلي تحت المظلة الأمريكية. رفع العقوبات عن الشرع لم يكن مكافأة على “الاعتدال”، بل إشارة إلى اكتمال مرحلة من أخطر مشاريع القرن، بتمويل خليجي ورعاية أمريكية، لتحقيق الهدف الإسرائيلي الأكبر: شرق أوسط جديد بلا قلاع دفاعية.
ما يحدث في سوريا اليوم هو اختبار حيّ لهذه الاستراتيجية، والخطر أن تتحول التجربة إلى نموذج يُصدّر لدول أخرى، إذا لم تُدرك القوى الإقليمية أن هذا المشهد لا يتعلق بسوريا وحدها، بل بمستقبل المنطقة بأسرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى