الضويني: الأزهر بالمرصاد لمحاولات تشكيك الناس في عقائدهم

أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، اليوم الأحد، أهمية برنامج تدريب الصحفيين على تغطية القضايا الدينية والإفتائية، الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية بقيادة الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، وأنه لقاء من الأهمية بمكان؛ واثقين بأنه سينتج عنه من فهم صحيح لدور الإعلام في تناول قضايانا وحماية مجتمعنا، كما يؤكد هذا البرنامج أن مؤسسات هذا الوطن ما زالت مؤسسات حية، فكما يوصف بني الإنسان بالحياة توصف بعض المؤسسات بالحياة كذلك، حين تكون على وعي برسالتها، وحين تؤدي أمانتها، وحين تشتبك مع الواقع توجيها وإرشادا وصيانة من المخاطر، وعلى رأس هذه المؤسسات الوطنية مؤسساتنا الدينية.
وأوضح وكيل الأزهر خلال كلمته في فعاليات اللقاء التدريبي بدار الإفتاء المصرية، أن الحديث عن دور الإعلام في تشكيل الوعي المجتمعي لم يعد محل نقاش أو جدل، بل أصبح من البدهيات التي لا يختلف عليها اثنان، خاصة في ظل ما شهدته الأمة العربية والإسلامية من أحداث جسام، وما يعصف بالعالم من حراك واسع في شتى مجالات الحياة، مما لم يترك لأحد رفاهية التهرب من آثار تلك التغيرات أو التغافل عن أضرارها المتلاحقة.
وكيل الأزهر يشيد بتنظيم دار الإفتاء برنامجا لتدريب الصحفيين على تغطية القضايا الدينية والإفتائية
وأشار إلى أن الإعلام – في واقعه العملي – ليس لونًا واحدًا، بل منه ما يمكن وصفه بالإعلام «الأسود»، الذي يتكشّف خطره بوضوح في أدواته المسخّرة لتقويض الأمن وزعزعة الاستقرار، وتهديد المجتمعات والأوطان، إذ لا يرى من الواقع إلا جوانبه السلبية، ولا يلتقط من المؤسسات سوى مواطن القصور، ولا يفسر الجميل إلا بالقبح، حتى لكأنّ عينه عن كل خير عمياء.
وتابع: إن الأخطر من ذلك هو «الإعلام الرمادي» الذي يتظاهر بالحياد، بينما يحمل في داخله رسائل خبيثة وأجندات مشبوهة، إذ يسوّق الآراء الشاذة التي أجمع العلماء على ضعفها، ويعمد إلى تلميع النكرات وتقديمهم للجماهير وكأنهم أعلام، ويمنح منابر للمجاهيل كي يُحدثوا بلبلة وتشويشًا في وعي الناس، الأمر الذي يؤدي إلى شتات الجمهور، وزرع الفرقة، وبثّ الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
وكيل الأزهر: «الإعلام الرمادي» يتظاهر بالحياد بينما يحمل رسائل خبيثة وأجندات مشبوهة
وشدد وكيل الأزهر على أن ثنائية تدريب الإعلاميين من جانب والقضايا الدينية من جانب، ثنائية لا تنفصل، ولا ينبغي لها أن تنفصل، بل الواجب أن يكون بينها من التكامل ما يُعين الإعلاميين على القيام بواجبهم في خدمة الأمة. فالكلمة كانت وما زالت أقوى سلاح عرفته البشرية على مدى تاريخها، فبكلمة يتحقق الوعي، وبكلمة تكون الغفلة، وبكلمة تقوم الحروب، وبكلمة تنتهي، وأظن أن الكلمة اليوم قد زاد سلطانها وتأثيرها؛ بما توفر لها من عوامل تقنية سمعية وبصرية معينة، تجعلها تنتقل من مكان إلى آخر بسرعة عجيبة، وتُتيح لها أن تستقر في القلوب والعقول، وأن تغير الآراء والقناعات.
وأضاف أن الواقع يشهد اضطرابات تمس الهويات، وتهدد المجتمعات، وتخترق الخصوصيات؛ والإعلام أحد الأدوات الرئيسة المسئولة بدرجة كبيرة عن بناء الوعي، وصيانة المجتمع من أي اختراق أو تهديد. ولا يخفى على حضراتكم أيضًا أن الأزهر الشريف كمرجعية كبرى للإسلام والمسلمين يقع عليه عبء كبير خاصةً في مجال المحافظة على الهوية الإسلامية والشخصية الوطنية، وحمايتها من أي محاولة للعبث بمكوناتها، ومن هنا فإنَّ الأزهر الشريف لا يقف مكتوف الأيدي أمام المحاولات البائسة التي تَتَّخِذُ الإعلام وسيلة لتشكيك الناس في عقائدهم وهوياتهم وأفكارهم؛ فما لهذا الدور وجدت وسائل الإعلام! وما كان للأزهر أن يصمت عن قول الحق.
واستطرد وكيل الأزهر موضحًا أنّه إذا كان العلماء المتخصصون يؤكّدون أنّ الإعلام قادر على التأثير في عقول الناس وقلوبهم، ومن ثمّ في سلوكياتهم واتجاهاتهم؛ فإنّ الاعتماد على الإعلام البصير الصادق – بوسائله المتنوعة وآلياته المتعدّدة – أصبح ضرورة لا غنى عنها. مشدّدًا على أهمية اللقاءات من هذا النوع التي تسعى إلى إرساء معايير مهنية وأخلاقية واضحة تحكم مسار العمل الإعلامي في تعامله مع القضايا الدينية.
وخاطب وكيل الأزهر المخلصين من أبناء الأمة أن يتنبهوا لما يحدث من استخدام مغلوط لوسائل الإعلام التي تروج لأفكار وقناعات غريبة تعمل على بث الفتن، وتدمير العقول، وتستهدف شباب الأمة التسلبه هويته، وتذهب به بعيدا عن قضايا أمته. كما خاطب بذلك الإعلامين الذين يُدركون أنَّ الكلمة أمانة قبل أن تكون وظيفة، وأن الإعلام رسالة قبل أن يكون مصدر دخل، وإنَّ الإعلام يقدر على أن يكون حلقة وصل بين ماضي الأمة وحاضرها، وبين تاريخها ومستقبلها، ويقدر على إيجاد حلقة وصل بين التخصصات العلمية: الدينية والفكرية والاجتماعية بما لدى الإعلاميين من شغف مهني.
وكيل الأزهر: مواثيق الشرف الإعلامي المتعددة توجب بنودها على الإعلاميين
وقال وكيل الأزهر أنّ مواثيق الشرف الإعلامي المتعددة توجب بنودها على الإعلاميين أن يعملوا على تأكيد القيم الدينية والأخلاقية، والمثل العليا المتراكمة في التراث البشري، وأن ينشدوا الحقيقة المجرّدة في خدمة الحق والخير، وأن يسعوا إلى تعميق أواصر التفاهم والتفاعل بين المجتمعات. وتساءل: أليس أولى بنا أن يكون إعلامنا سبيلًا لحماية المجتمع من أي فرقة أو انقسام؟ أليس أولى بنا أن نوجد خطابًا إعلاميًّا متجددًا يعمل على نشر القيم الإسلامية، وتأكيد الهوية المصرية والعربية والإسلامية، ونقل الناس من السفاسف إلى الجدّ والعمل؟

ودعا الحضور إلى مراجعة ما يُثار من شائعات يعمل بعض الناس على النفخ فيها، متسائلًا: أليست هذه الشائعات هي المادة الدسمة للحوار على المواقع والبرامج؟ كما تساءل عن السفاسف التي يُشغل بها الشباب، أليس ذلك صرفًا لهم عن معالي الأمور؟ ثم أشار إلى الفتاوى التي تُلتقط من هنا وهناك أو تُصنع صُنعًا وتُطرح دون فهم سياقاتها، معتبرًا ذلك تدليسًا، وكذلك عن النماذج التي تُقدَّم على أنها قدوات، مؤكدًا أنّ في ذلك تلبيسًا وطمسًا للذائقة. مؤكدًا أن هذه التساؤلات ليست اتهاما وإنما هي من باب التفكير مع أهل المهنة والتخصص بصوت مرتفع.
وأكد وكيل الأزهر أنّ الإعلام لم يعد مجرد جريدة ورقية يطالعها الناس لكبار الكُتّاب كي يضمنوا بها الاطلاع على الحياة من حولهم، بل بات أمره أعقد وأعمق من تلك الصورة التقليدية، مشيرًا إلى أنّ الدول الكبرى تُدرك قدرة الإعلام على الاستحواذ على عقول الناس من خلال أدواته المختلفة والجاذبة والمتنوعة، فجعلته أداة فاعلة في تنفيذ الخطط وتحقيق الأهداف التنموية، موضحًا أن الإعلام المنتج شريك في التنمية، في حين يُعد الإعلام الرديء معطلًا لمسيرتها.
وفي ختام كلمته، ذكّر وكيل الأزهر الإعلاميين بما يدور حولهم من حراك يمس العقيدة، والثقافة، والاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾، معربًا عن ثقته في الإعلاميين المؤتمنين وقدرتهم بإعلامهم الأبيض على صناعة وعي رشيد يحفظ على الأوطان عقيدتها وهويتها وأمنها، مختتمًا بالشكر لدار الإفتاء المصرية على دعوتها الكريمة، والدعاء بالتوفيق للقائمين عليها فيما فيه خير البلاد والعباد.