د. زياد بهاء الدين يكتب:  انتخابات بلا ناخبين

الذين اندهشوا من أن تعلن مجموعة من الأحزاب المصرية عن تشكيل قائمة واحدة لخوض الانتخابات البرلمانية غير مبررين على الإطلاق فى دهشتهم.

اللحظة الفاصلة فى تحديد مسار الانتخابات القادمة، وبالتبعيّة البرلمان القادم نفسه، ليست هذا الاتفاق الأخير الذى لفت الأنظار، بل كانت منذ بضعة أسابيع وتحديدًا يوم ٢٥ مايو، حينما وافق البرلمان على تعديل متواضع على قانون تنظيم الانتخابات، أهم ما فيه أنه أبقى على نظام الانتخاب بالقائمة المطلقة.

ووفقًا لهذا النظام المعيب الذى عُمل به عندنا فى البرلمان الحالى والسابق عليه، فلا مجال لأن تحصل أى قوائم حزبية على أى مقعد برلمانى إلا قائمة واحدة فقط، وهى عادة القائمة القريبة أو المدعومة من الدولة. ويترتب على ذلك أن الأحزاب التى يفترض أن تتنافس فى الانتخابات تجد نفسها أمام اختيار واضح وبسيط: إما أن تخوض الانتخابات برغم استحالة فوزها بأى مقاعد، أو تقبل بالانضمام إلى القائمة الأساسية التى ستفوز بكل شىء، أو تقرر مقاطعة الانتخابات من بابها.

والحقيقة أن هذا ليس أسوأ ما فى نظام القائمة المطلقة، بل الأكثر سوءًا أن الراغبين فى دخول البرلمان يجدون أن طريقهم الوحيد لذلك هو كسب ود الجهات التى تقرر التشكيل النهائى للقوائم، بينما لا قيمة لأصوات الناخبين، بل لا توجد دوائر انتخابية أصلًا، لأن كل دائرة انتخابية للقوائم الأربع على مستوى مصر تشمل ملايين الناخبين، فلا مجال واقعى للتفاعل معهم.

النتيجة إذن – طالما استمر نظام الانتخاب بالقوائم المطلقة – أننا لا يصح أن نتحدث لا عن انتخابات ولا عن تمثيل شعبى، ولا حاجة لدينا لبرامج حزبية ولا مؤتمرات جماهيرية ولا زيارات للقرى والنجوع.

ما سبق يعلمه الجميع ويتصرفون على أساسه. خلال الأسبوع الماضى، وبعد الإعلان عن أسماء بعض المرشحين فى قوائم انتخابات مجلس الشورى، انتشرت عبر صفحات التواصل الاجتماعى رسائل تهنئة لهم من جانب أصدقائهم، ألطف ما فيها أنها لا تهنئهم بالترشح، بل بعضوية البرلمان! فالجميع يعلم أن دخول القائمة هو دخول البرلمان، أما الانتخابات نفسها وخروج الناخبين للتصويت فليس إلا إجراء شكليًا يلزم القيام به ولكن لا أثر له.

هذا لا يتعارض مع حقيقة أن بعض أعضاء البرلمان الحالى والسابق أبلوا بلاء حسنًا، وحاولوا أن يكونوا صوت الشعب فى مناقشة القوانين وفى الرقابة على الحكومة، ولهم الشكر والتقدير. ولا شك أيضا أن البرلمان القادم سيضم أصواتًا نزيهة ومستقلة ومدافعة عن الصالح العام. ولكن علينا فصل التقييم الشخصى عن التقييم المؤسسى، ومهما كان هناك مخلصون فى البرلمان، فإن النظام ذاته يظل مبنيًا على التعيين والتفاوض والاتفاق، وليس مستندًا لإرادة الشعب.

وأخيرًا، فمن الضرورى التنويه بأن الوصف السابق ينطبق فقط على المقاعد المخصصة للقوائم، أما المقاعد التى يجرى التنافس عليها فرديًا، فهى ساحة لانتخابات حقيقية لأن فيها سعيًا وراء أصوات الناخبين، وزيارات لبيوتهم، وحرصًا على كسب ودهم، وهذا هو جوهر العملية الانتخابية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى