مأمون الشناوي يكتب: الخفافيش !!

مالك تهوي الظلام والإظلام والسواد والمناطق الكالحة ، مالك تستهويك العتمة مثل الخفافيش ، فتنتفض مُهللاً عند المصائب ، شامتاً عند الكوارث ، مروجاً لكل ما من شأنه الخراب ، حتي لو كان انفجار ماسورة مياه في شارع في زقاق !!.
لماذا لاتهوي نور الصباح ، مثل الحمائم والبلابل والعنادل ، وحبات الندي علي أوراق الفل !!.
لماذا لاتقع عينك إلا علي البقع السوداء ، ولاتري بقعة ضوء واحدة !!.
يا أيها الخفاش ، حتي الليل الكالح ، تتلألأ نجومه في السماء !!.
ألم يأتك نبأ صاحب المطعم ، الذي كنا نتهمه بالجشع ، فإذا به يفسح المجال لرواد مطعمه ، لكيّ يأكلوا ويشربوا ماطاب لهم ، ثم يعودوا إلي منازلهم ، دون أن يدفعوا ثمن ما أكلوا وما شربوا ، لأنهم لايملكون نقوداً ، وبطاقاتهم الإلكترونية مُعطلة ، جراء الحريق المروع ، الذي شب في سنترال رمسيس ، ومثل صاحب هذا المطعم كثيرون !!.
ألم يصل إلي مسامعك سائقي التاكسي ، الذين رفضوا تقاضي أجرتهم ، وأصروا علي توصيل زبائنهم إلي حيث أرادوا !!.
ألم تري بأم عينك – التي سيتعفف الدود أن يأكلها – شباب المهندسين الخريجين من كليات الحاسبات ، وهم مرابضين عاكفين علي إصلاح كل الأجهزة المُعطلة ، مجاناً ، في مَشهد حضاري بديع !!.
ألم تشاهد هذا الضابط الذي قطع أجازته ، وهرع إلي حيث الحريق الذي شب في المبني العريق ، وخلع ملابسه ، واستبدل بها ملابس العمل ، وانطلق مع رفاقه الأبطال ، معرضاً حياته لخطر محدق ، بالموت حرقاً أو اختناقاً !!.
كل تلك البقع المضيئة لم تلفت نظرك ، وأفهمتك أن هذا شعب عصيّ علي الانكسار والهزيمة ، وأنه عند الأزمات ينصهر ، كما تنصهر المعادن الغالية في سبيكة واحدة ، سماتها الشهامة والمروءة وأعلي درجات الوطنية !!.
أليس هذا هو أبلغ درس علينا أن نصدره لكل عدو حاقد أو غافل أو كاره أو متربص ، في الخارج أوفي الداخل ؛ بأننا – مهما اختلفنا وانتقدنا وعارضنا وغضبنا ورفضنا – عند النوازل نتحد في معني واحد ، وعند نداء الوطن نهتف : ( لبيك ) ، وأن جوهرنا معدن ثمين ، قد يعلوه بعض التراب ، فإذا ما دعا الداعي ، أزلنا هذا التراب ، وتحولنا في لحظة يتوقف عندها التاريخ مذهولاً ، إلي كتائب وجنود ، فداء لمصر !!.
قولوا للخفافيش ذلك ، عُشّاق الظلام ، لعلي نور الحقيقة يحرقهم !!.