المرأة المصرية وصُنع القرار: حين تتقدم الإرادة على القيود

بقلم: د. غادة محفوظ – خبيرة التنمية الاجتماعية
لم تكن المشاركة السياسية للمرأة المصرية ثمرة قانون أو صدفة مرحلة، بل ولادة طويلة عبر مخاضات التاريخ، ونتاج نضال صبور، حملته أكتاف الجدّات والأمهات حتى سلمن الشعلة لبناتهن. على امتداد العقود، ظلت المرأة المصرية شاهدة على التحولات الكبرى، لا كمراقبة من خلف النوافذ، بل كمقاتلة تعرف تمامًا أن مكانها الطبيعي في القلب لا في الهامش.
حين نالت المرأة حق التصويت والترشح عام 1956، كانت تكتب أول فصول الحضور السياسي، لكنها لم تُمنح آنذاك سوى مقعد أو اثنين في البرلمان، كأن الوطن لم يكن جاهزًا بعد لصوت أنثوي يُشرّع أو يُحاسب. ومع ذلك، لم تستسلم، بل ظلّت تنحت حضورها كما ينحت النيل مجراه، بصبر وشغف وعناد.
ثم جاءت العقود التي شهدت حضورًا باهتًا، أشبه بالظل، حتى أعادت ثورة 30 يونيو الاعتبار لصوتها في الشارع، توازيًا مع الاعتراف الدستوري بمكانتها كشريك في الحكم لا تابع. ومع دستور 2014، وُضعت لبنات التمكين الحقيقي، لا بالشعارات، بل بالنصوص والمقاعد والمناصب.
فها هي تجلس اليوم تحت قبة البرلمان بـ162 نائبة، يشكلن ما يقارب 27% من إجمالي المقاعد، في سابقة تعكس اتساع الوعي الوطني بدورها، ليس فقط كممثلة عن المرأة، بل كصوت للوطن. ولم يعد تمثيلها رفاهية سياسية، بل أصبح ضرورة وطنية تُعبّر عن نبض الشارع المصري، بتنوعه وتعقيداته وآماله.
وفي الحكومة، تشغل سيدات مبدعات حقائب وزارية استراتيجية، مثل التخطيط، والتضامن، والتعاون الدولي، والهجرة، والتنمية المحلية، والبيئة. ولسن مجرد وزيرات، بل صاحبات رؤى وخطط تقود التحولات الاجتماعية والاقتصادية بحكمة وتوازن. منال عوض، ياسمين فؤاد، رانيا المشاط، مايا مرسي… أسماء أصبحت جزءًا من ملامح الدولة الحديثة.
أما في الحكم المحلي، فقد تحوّل حضور المرأة إلى مشهد مألوف، مع تسع نائبات محافظ، يقدن العمل التنفيذي على الأرض، ويتعاملن مع ملفات التنمية والمرافق والخدمات. كذلك في القضاء، تحققت خطوة تاريخية بتعيين القاضيات في مجلس الدولة والنيابة العامة، بعد عقود من الانتظار، لترتفع منصة العدالة وتُضاف إلى رصيد الإنصاف التاريخي.
ورغم كل هذا، لا تزال المرأة تُحارب في صمت داخل دهاليز الأحزاب، وفي وجدان بعض المجتمعات الريفية، وتحت سقف إعلامٍ لم يتحرر بعد من الصور النمطية. لكن الحقيقة الأجمل أن المرأة المصرية لا تنتظر أن تُمنح دورًا، بل تصنعه، وإن لم يُفتح لها الباب، خلقت بابًا من حُلم وإرادة.
لقد أصبحت جزءًا من معادلة الحكم لا ملحقًا بها، حاضرة في دوائر التشريع، ومطابخ السياسات، ومواقع التنفيذ. لا تطلب امتيازًا، بل تطالب بحقها في أن تكون كما كانت دائمًا: شريكة في الحِمل، وصانعة للغد، وعنوانًا لضمير الوطن الحي