د. سمر يسري جابر تكتب: سائق الأوبر- مصر 2025( قصة قصيرة )

تروى كنت معيدة بالجامعة ويبعد منزلى كثيرا عن مقر عملى ، لم تظهر حينها تطبيقات سيارات الأجرة من أوبر وكريم إلى أخره من تطبيقات ، ونظرا للراتب الذى لم يتعدى وقتها الف واربعمائة جنيها كنت انتظر بمحطة المترو – ولأنه عادة وطبع نادرأ ما انزل باكرا – استيقظ على جرس منبهى القديم مسرعة على اصوات الراديو والإعلامية القديرة ايناس جوهر وهى تستعير ابيات من رباعيات صلاح جاهين (غمض عنيك وامشى بخفة ودلع الدنيا هى الشابة وانت الجدع ، تشوف رشاقة خطوتك تعبدك ، لكن أنت لو بصيت لرجليك تقع – وعجبى ) ، وبعد احتساء المشروب الجماهيرى الأول لمواليد الثمانينات والتسعينات (الشاى بلبن) ذلك المشروب السحرى بما فيه من رائحة الأمهات والجدات ، أتوجه إلى محطة المترو مسرعة وفى يدى ذلك الكشكول الكبير المقسم صفحاته بألوان مختلفة بعدد السكاشن والمحاضرات ، ونادرا ما كنت استأجر سيارة أجرة مرة أو مرتين بالشهر بحكم الراتب الذى لم يكن كبيرا وقتها، حتى ظهر علينا فى أخر 6 سنوات مشروع سيارات الأوبر أو النقل الذكى عبر تطبيقات على هاتفك المحمول بأسعار مناسبة – وبدأت رحلتى الأولى فى عام 2020 بسبب أزمة الكورونا لتقليل الاختلاط وامتنعت عن وسائل النقل المكتظة بالناس كتداعيات صحية خلال هذه الأزمة التى مرت بسلام، ومن وقتها لم استخدم المترو مرة اخرى فى الانتقال وكأنها مرحلة جديدة من مراحل الحياة بدأت بالمسمى أوبرمع ارتفاع طفيف بالراتب ، عادة ما اصمت خلال كل رحلاتى اشاهد الطرق والاشجار والازدحام مع ابواق السيارات وانااتصفح اخر الرسائل على هاتفى المحمول، وفى عام 2022 بدأت مشروعى البحثى ولمصداقية المعلومات اصبحت اجرى حوارا يوميا وكأننى صحفية فى طريقى إلى العمل مع سائق الأوبر، وكأننى تاثرت بفيلم الفنان أحمد حلمى عسل أسودوهو يجرى حوارا مع سائق الأجرة عن مصر وأحوال أهل مصر

 ثم جاءه هاتف اخذ يضحك بعده و قال لى وجه حضرتك خير على زوجتى ولدت بنوتة جميلة الأن ، ثم أستطرد عارفة حضرتك من شهر تقريبا كنت اقف في موقف التاكسي وكان يوجد الكثير من السواقين يقفون ايضاً،وكل سائق منتظر وقت رزقه وكنت زهقان مهموم كأني شايل هموم العالم فوق أكتافى،مصروف البيت صفر ، المطبخ خاوي لا يوجد فيه اي شيء، اسطوانة الغاز المنزلي خلصت، وكانت المدام فى شهرها الثامن وعلى وشك الولادة،وكل تلك الهموم والمشاكل موضوعة على راسى، لكن دايما ربنا بيفرجها لا نعرف كيف لكنه هو الله، وأخذ يدندن مقطع لمحمد الكحلاوى يابدر هل وبان يابشرة خير وسلام أديت رسالة الله بحب النبى واحباب النبى ورامى حمولى على الله، ثم أخذ يشتكى من طابور تجديد رخصته بالمرور ، قائلاً أحناغلابةندفع تجديد وندفع مخالفات وهذا المسمى المحمول فى عصر مصر الرقمية يرسل لى مخالفاتى يوميا على شكل رسائل بألاف الجنيهات ، طب هنعيش ازاى يا أستاذة؟

فسرحت قليلاً فى الطريق وتذكرت مشاهدتى للفيلم الأمريكى سائق التاكسىانتاج 1976،من إخراج مارتن سكورسيزي وبطولة روبرت دي نيرو، يروي الفيلم قصة ترافيس بيكل، وهو جندي سابق في مشاة البحرية يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة ويعمل كسائق تاكسي في مدينة نيويورك،و يعيش ترافيس في عزلة واضطراب نفسي، ويفقد الأمل أن يعيش فى محيط من الفاسدين، وتتطور قصة الفيلم من خلال محاولات ترافيس للعثور على معنى لحياته، ويتحول هذا البحث إلى هوس بالانتقام من الفساد الذي يراه في نيويورك،و يركز الفيلم على جوانب مظلمة في ذلك المجتمع، مثل الدعارة والعنف والمخدرات وعالم رجال الأعمال ، ويسلط الضوء على تأثير الحرب على المحاربين القدامى

ثم قاطع السائق شريط مشاهد الفيلم برأسى هستأذن حضرتك المشوار طويل من المعادى إلى مدينة السادس من أكتوبر ولابد أن أتوجه إلى اقرب محطة وقود، ثم توقفت السيارة وفتح خزان الوقود ووضع فوهة المضخة فيه واختار كمية البنزين المرغوبة، وبعد انتهاء تعبئة السيارة اغلق غطاء الخزان باحكام ، ثم تحرك بالسيارة وهو يقول لنا الله كل يوم زيادة فى ارتفاع اسعار الوقود ، ثم أستطرد زوجتى مع العشرة اصبحت تشبهنى كثيرا ويتأملنا الجيران ويعتقدون ذلك، كنا نعيش فى شقتنا القديمة بالسيدة زينب أصل هى بتحب تزور حبايبها، بعد انتقالنا إلى حى المنيلكنا نزور البيت القديم ونتذكر الجيران الذين لم يعد أكثرهم موجودين ، حاجات كتيير غابت منذ ثلاث أعوام، تضع زوجتى صورتى أنا وأبنتنا فى اطار زجاجى صغير محفوظ بعناية، ادعيلنا حضرتك يطرح فى بنتنا البركة ، أنا أغار علي زوجتى كثيرا ولا أفارقها وده عيب فيه يا استاذة بحاول أغيره

 ثم قاطعته هنا اركن السيارة هنا لقد وصلنا ، ثم أخرجت من حقيبتى الأجرة وابتسمت له داعية لزوجته وأبنته بالخير والبركة، لقد ذكرنى بأحداث وقصص الجدات والحب الحقيقى رغم الظروف المعيشية قصص أوشكت أن أنساهابسبب تسارع الحياة والركض خلف المستقبل وتغليب المادية على المشاعر، قصص لازالت حاضرة فى أذهاننا، رغم أنها أصبحت ذكرى مشوشة فى المكان ، دخلت مكتبى وفى يدى زجاجة الماء مبتسمة ، وطلبت قهوتى المظبوطةوأنا استند على ذلك الجدار القديم، ثم قاطعت أفكارى صوت ولية أمر طالبة حيث مدت يديها وسلمت عليه ، تشكو درجات الرأفة لأبنتها وعدم الاستجابة للتظلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى