بين المبادرات الدولية والمواقف المتصلبة: حماس تراوح مكانها بينما غزة تنزف

يارا المصري
في وقت يشهد فيه المشهد السياسي حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا لوقف الحرب المدمرة في قطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى، وبدء مرحلة إعادة الإعمار، تبدو الفرصة سانحة للتوصل إلى تسوية تُنقذ ما تبقى من حياة في القطاع المنكوب. إسرائيل تبدي استعدادًا واضحًا للتجاوب مع المبادرات الإقليمية والدولية، بينما لا تزال قيادة حماس تراوح مكانها، متمسكة بخطاب شعاراتي يفتقر إلى أي التزام ملموس أو رؤية واقعية.
“مقترح شامل”… بلا التزامات
في مقابلة حديثة مع قناة الجزيرة، تحدث القيادي في حماس، أسامة حمدان، عمّا وصفه بـ”مقترح شامل” يشمل وقف إطلاق النار، وفتح المعابر، والشروع في إعادة الإعمار. لكنه، كما في مرات سابقة، تجنّب تقديم أي التزام صريح بشأن إطلاق سراح الأسرى – وهو المطلب الأساسي الذي تتمحور حوله كل جهود التفاوض.
واكتفى حمدان بالإشارة إلى دعم قطري ومصري لهذا المقترح دون تقديم تفاصيل، أو جدول زمني، أو ضمانات تنفيذ. هذه الضبابية المتعمدة تكرّس نمطًا بات مألوفًا من قيادة حماس: طرح شعارات عامة بهدف كسب الوقت السياسي والإعلامي، دون اتخاذ خطوات جدية نحو حل حقيقي.
بعكس ما تحاول بعض قيادات حماس تصويره، فإن إسرائيل تشارك بفعالية في المفاوضات الجارية، وتتجاوب مع مقترحات وسطاء رئيسيين كقطر ومصر والولايات المتحدة. أما حماس، فتميل إلى رفض المقترحات أو التحايل عليها، متمترسة خلف ما تسميه “الثوابت الوطنية” – شعارات لم تعد تقدم شيئًا يُذكر لأهل غزة، ولا توقف نزيف الدم اليومي.
بدلاً من إجراء مراجعة نقدية لمسؤولية الحركة عن المأساة الممتدة منذ السابع من أكتوبر، اختار حمدان نهج الهروب إلى الأمام، مهاجمًا إسرائيل، ومنددًا بالموقف الأميركي، ومحملاً الدول العربية والسلطة الفلسطينية المسؤولية، دون أن يقرّ ولو جزئيًا بدور حماس في الكارثة التي يعيشها القطاع.
وفيما تتهرّب القيادة، يدفع المدنيون الثمن. آلاف القتلى، مئات الآلاف من المهجرين، بنية تحتية منهارة، ومستقبل ضبابي لأطفال لا يجدون مأوى ولا مدارس ولا أمل.
لا جديد في لهجة حمدان العدائية تجاه الغرب، خاصة الولايات المتحدة، والتي وصفها بـ”المتواطئة”. لكنه – كغيره من قيادات حماس – لا يقدّم بدائل عملية. لا خطة زمنية، لا خارطة طريق، ولا أي مؤشر على رغبة في وقف القتال أو الانخراط الجاد في اتفاق واقعي. فقط تكرار شعارات “المقاومة” و”المشروع الوطني” دون ترجمة فعلية على الأرض.
في القاهرة والدوحة، بدأ الغضب يتصاعد من تصلب مواقف حماس، التي باتت، بحسب مصادر دبلوماسية، تماطل وتناور بهدف الحفاظ على مكاسبها السياسية، لا حماية أبناء غزة. وبينما تواصل الأطراف الإقليمية طرح مقترحات لإنهاء الحرب، ترد حماس بالمزيد من التصعيد الإعلامي والمواقف المتصلبة.
والنتيجة؟ شعب محاصر بين الأنقاض، بلا أفق ولا طمأنينة، يترقب انفراجة لا تأتي.
أهل غزة لا يطلبون المستحيل. يريدون وقف الحرب، عودة الحياة، فتح المدارس، استئناف الإعمار، وبداية جديدة. لكن قيادة حماس، للأسف، تبدو منشغلة بالمكاسب والمواقع، أكثر من انشغالها بمصير الناس الذين تزعم تمثيلهم.
خطابات حمدان، رغم حدّتها، لم تعد تعبّر عن الواقع ولا عن طموحات الفلسطينيين. هي مجرد تكرار لنمط قيادي يفتقر إلى الشجاعة السياسية، ويرفض التغيير، حتى ولو كان الثمن هو مزيدًا من الدم والدمار.