السفير اسماعيل أبو زيد يكتب: لن تنتهي الحرب

أتحدث إليكم من قلب أوروبا عن حالة الحرب هنا وفي الشرق الأوسط. وأسأل هل تنتهي الحرب المشتعلة من ثلاثث سنوات دون حسم في أي منهما؟!
والجواب أبدا لن تنتهي في المدي المنظور … لا في أوكرانيا التائهة بين الوعود الذهبية للنيتو وعصا موسى المخفية في ركن مظلم من البيت الأبيض حتى تنكسر شوكة التحالف المستتر بين الدول الأوروبية الخمس الكبار .. ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا (وإنجلترا من وراء الكواليس) ولكي يبقى الدولار ( الورقي) العملة المرجعية العالمية الوحيدة ، مبطلا وحدة اليورو المستنزفة الآن في السلاح وأسعار الطاقة وتأمين سلامة الشعوب الأوروبية الغاضبة.
ولن تنتهي الحرب في إيران أو غزة ولا في الأراضي المحتلة ذاتها لأنها حرب مصالح بين اليمين المتطرف واليسار المتحفز للإنقضاض على السلطة.. فاليسار يرى أن استنزاف موارد الدولة فى حروب طويلة الأمد يعتبر هزيمة لأن استراتيجية الصراع هناك قائمة على الحروب الخاطفة .. واليمين المتطرف يرى أن الحرب وإن طال أمدها أصبحت قضية وجود. متذرعا بالخطر النووي الإيراني ، وهو في ذلك يعول على الدعم غير المحدود للبيت الأبيض ، خصوصا وأن البيت الأبيض تاريخيا إعتاد على أن يلملم ( عند الضرورة) كل الأشلاء المتناثرة له على جانبي الطريق ويعيد ترميمها ، مرة بالأمر المباشر ومرة بالفيتو وثالثة برفع الراية البيضاء من جهة والحمراء من جهة أخرى.
فما صدى ذلك في أوروبا والشرق الأوسط بوصفهما إقليمين متورطين بشكل مباشر في الحرب بين روسيا وأوكرانيا والحرب على غزة وإيران؟
من متابعتي لسلوك الناس هنا في أوروبا أرى بعضهم يخرج في مجموعات تستنكر العنف وسفك الدماء والفصل العنصري وتتهم حكوماتها بالصمت والتواطؤ ، أما الغالبية فأراها حائرة مرتبكة من كثرة ما تسمعهم آلة الإعلام عن مخاطر حرب عالمية شاملة توشك أن تبدأ ، فترى الناس يتنافسون على إقتناص كل فرصة للمتعة المادية دون حساب للمستقبل ، وهذا أمر جديد على فكر وثقافة المجتمع الأوربي، لكن ذلك في حد ذاته هو ما تسعى إليه مجموعة المصالح في في غرف النظام العالمي الجديد. أن تستنزف طاقة الشعوب في الهوس المادي بعيدا عن الإنغماس في الحسابات الإقتصادية أو الفكر السياسي.
وبالنسبة ليلدان الشرق الأوسط ( باستثناء مصر بوصفها الدولة الوحيدة التي استطاعت رغم كل التحديات وصعوبات الحياة والجبهات الملتهبة من حولها أن تتماسك ويعلو صوت جيشها فوق كل أصوات الجيوش الوافدة والمارقة) ، أما بقية بلدان المنطقة ( لاسيما الغنية منها) فستظل وتيرة الحياة فيها متأرجحة بين سلام وهمي أقصاه هدنة مشروطه تلتقط فيه أنفاسها لبعض الوقت وبين طموح في سلام دائم لابد أن تدفع ثمنه بلا حساب للراعي الرسمي..
وهو سلام في النهاية زائف .. لأنه لن يستقيم مع دوران عجلة الإنتاج في مصانع الأسلحة العالمية صاحبة الكلمة العليا في إستمرار الحروب وخلق فرص تبادلية ساخنة للصراع.
باختصار العالم العربي التعيس يعيش الآن رهينة لعالم مليء بمنحرفي المزاج وقد تعود على أن تتوافد عليه بالتبادل، وعلى مر التاريخ ، قوى إستعمارية من القتلة ومصاصي الدماء . ودائما يعيش حالة إبتزاز سافرة يرضى بها صاغرا ويعالجها بالحماس وحده أو بالدعوات والشتائم دون سياسة ردع حاسمة ووحدة صف تجعل منه قوة ذات شأن أو دبلوماسية حصيفة فاهمة تعي أبعاد الصراع الشرق أوسطي حاضره ومستقبله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى