همسات مغتربة ..  اغتراب من نوع آخر

بقلم كريمة الشامي
حين نسمع كلمة غربة، يتبادر إلى أذهاننا ذلك الفراق المكاني، أن تكون بعيدًا عن وطنك، عن أهلك، عن رائحة أرضك. لكن، الحقيقة الأشد قسوة أن الغربة ليست تلك التي تفصل بينك وبين تراب بلدك… بل هي التي تفصل بينك وبين إنسانك الداخلي.
نعم…
نحن اليوم مغتربون عن أنفسنا قبل أوطاننا.
غربة أعمق وأشد قسوة…
غربة عن القيم، عن الصدق، عن النقاء، عن الإنسان الذي كنّاه يومًا ولم نعد نعرفه.
صار الإنسان غريبًا عن ضميره، مغتربًا عن إنسانيته، يقتل نجاح غيره بسم الحسد، ويمارس اغتيالًا يوميًا للقيم، وينافق بصمت، ويتفنن في جلد الضعفاء، ويمدح الأقوياء على عوراتهم.
سيدتي… أيتها المغتربة داخلك،
حرّري نفسك من لعنة المقارنات، من حقدك على ما في يد غيرك، من دور الضحية المتخفية خلف سكاكين الكلام المسموم.
أعيدي ترميم أنوثتك الطيبة، قلبك الصافي، ضحكتك النقية التي لم تعد تعرف طريقها إليك.
وسيدي… أيها المغترب داخلك،
توقّف عن تحميل العالم مسؤولية فشلك. لا الكون تآمر عليك، ولا الأقدار ظلمتك.
بل أنت من هجرت إنسانك الداخلي حين اخترت أن تُلبس فشلك لباس الحسد، وأن تفسر نجاح غيرك بأنه سرقة لحلمك، لا اجتهاد.
نحن اليوم نعيش اغترابًا خطيرًا…
غربة القيم قبل الأوطان.
اغتراب الإنسان عن إنسانيته.
فالأرض ما زالت هي الأرض، لكن من سكنها ليسوا أولئك الآدميين الذين عشنا بينهم يوماً.
الاغتراب الحقيقي حين نفقد مرآة أرواحنا…
وحين يصبح الإنسان ظلًّا ممسوخًا للحسد، والغيرة، والخذلان.
رسالتي إليكم:
فتّشوا داخلكم…
بحثوا عن إنسان كان يومًا يسكنكم.
حرّروه من ركام السنوات، من عقد المقارنات، من وحل الحسد.
عودوا إلى إنسانيتكم… فالغربة الحقيقية ليست في بُعد المسافات، بل في بُعد القلوب.
كل شيء يمكن تعويضه إلا الإنسان حين يفقد نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى