من نصف درجة إلى لقب “خبير أجنبي”: رحلة محمد جهاد بين الأحلام والمعجزات الصينية

بقلم الاعلامية رانا علي
حين تُغلق في وجهك أبواب الحلم الواحد، لا تيأس… فقد تكون تلك اللحظة هي بداية رحلة نحو حلمٍ أعظم لم تكن تراه.
محمد جهاد، شاب مصري لم تقف نصف درجة أمام طموحه، بل كانت الشرارة التي أشعلت مسيرته الملهمة. من الرغبة في دراسة الهندسة إلى أن يصبح أحد أقل من ألف خبير أجنبي في الصين – دولة يتجاوز عدد سكانها مليار ونصف!
في هذا المقال، نغوص في تفاصيل قصة نجاحه، وكيف تجاوز التحديات ليصنع لنفسه مكانة دولية، ويُصبح صوتًا شبابيًا يعكس صورة مصر في الخارج بكل فخر.
—
🔹 البداية: حلم الهندسة… وضريبة “نصف درجة”
بدأ الحلم تقليديًا كبقية أحلام الكثير من الشباب المصريين: دخول كلية الهندسة. ولكن القدر كان له رأي آخر، إذ فرّق بينه وبين حلمه نصف في المئة فقط. لم يستسلم محمد، بل استمع لنصيحة أحد أصدقائه الذي رشحه لكلية الألسن، خاصةً وأنه كان شغوفًا بتعلم اللغات.
رغبته الأولى كانت اللغة اليابانية، لكنه لم يتمكن من الالتحاق بها بسبب نقص نصف درجة في مادة اللغة الإنجليزية – شرط أساسي للقبول في القسم. فتوجّه بعدها إلى قسم اللغة الكورية، لكنه واجه منافسة شرسة حالت دون دخوله.
في خضمّ هذه الحيرة، جاءت نصيحة ذهبية من والدته: دراسة اللغة الصينية. نصيحة غيّرت مسار حياته بالكامل.
🔹 اللغة الصينية: من التعقيد إلى العشق
اللغة الصينية، بكل ما تحمله من رموز ونغمات، بدت في البداية جبلًا صعب التسلق. الرموز المعقدة التي تحلّ محل الحروف، والنغمات الأربعة التي تغيّر معنى الكلمة تمامًا، كانت تمثّل تحديًا حقيقيًا.
“كلمة واحدة مثل ما، قد تعني أمي أو الشتيمة فقط باختلاف النغمة!”، هكذا شرح محمد صعوبة النغمات، مستشهدًا بمشهد طريف من فيلم “فول الصين العظيم” للفنان محمد هنيدي، عندما أوقعه اختلاف النغمة في ورطة مع سيدة صينية.
ولكن بالصبر والممارسة اليومية، تحوّل الخوف من الصينية إلى شغف. بدأ محمد يتقن النغمات ويفكّ طلاسم الرموز، لتصبح اللغة الصينية بابًا مفتوحًا أمامه نحو عالم أوسع بكثير مما تخيّل.
🔹 من طالب إلى خبير أجنبي في الصين
لم يكتفِ محمد بتعلم اللغة فقط، بل وضع أمامه هدفًا أن يربط بين الثقافتين العربية والصينية. ومع مرور الوقت، أصبح خبيرًا أجنبيًا في المجموعة الصينية للإعلام الدولي، وهو لقب نادر لا يُمنح إلا بعد تدقيق شديد من لجنة مختصة في الصين.
ومنذ أسبوعين فقط، حصد لقبًا جديدًا: خبير أجنبي للهيئة العامة للترجمة بثلاث لغات: العربية، الصينية، والإنجليزية. وهو واحد من نحو 1000 خبير فقط على مستوى الصين بأكملها!
ورغم حرمانه من العمل في السلك الدبلوماسي بسبب جنسية والده الفلسطيني، إلا أن طموحه لم يعرف حدودًا، فاختار طريقًا آخر ليخدم به بلاده… من باب القوة الناعمة والتواصل الثقافي.
🔹 التكريمات والإنجازات: حين يختارك وطنٌ آخر لتلهمه
لم تمرّ جهود محمد دون تقدير، فقد تم اختياره ضمن 25 شخصية أجنبية مُلهمة في الصين من قبل المركز الإعلامي لحكومة مقاطعة شاندونغ. كما دُعي لتقديم احتفالية اليوم العالمي للطفل، بحضور مسؤولين حكوميين وسفراء أجانب.
ولم يكن ذلك فحسب، بل تم ترشيحه ليكون سفيرًا لمبادرة الحزام والطريق – المبادرة الصينية العالمية العملاقة، ليُعبّر من خلالها عن أهمية الترابط الحضاري بين الشعوب.
🔹 نظرة للمستقبل… وطموح لا ينتهي
اليوم، يُخطّط محمد لإنشاء جمعية شبابية ذات طابع دبلوماسي، تهدف لتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب وتمكين الشباب في المحافل الدولية. حلمه القديم بأن يكون دبلوماسيًا لم يمت، بل ارتدى ثوبًا جديدًا يناسب عصر القوة الناعمة.
وبين كل هذه الإنجازات، يعتبر محمد أن أجمل لقب حصل عليه هو لقب: “الخبير الأجنبي”، الذي جاء تتويجًا لرحلة تعب، ومثابرة، وتحدٍ بدأ بنصف درجة… وانتهى بقصة تلهم ملايين.
قصة محمد جهاد تذكّرنا جميعًا أن الأحلام قد تغيّر شكلها، لكنها لا تموت. وأن الفشل الأول ليس نهاية الطريق، بل ربما بوابة عبور نحو قدر أكبر وأجمل.
محمد هو ابن مصر، لكنه صار أحد وجوهها المضيئة في سماء الصين. وبين الحروف والنغمات، بنى جسرًا من الطموح لا يهدم، ورسالة شبابية لا تُنسى.