د. أحمد شندي يكتب : السنة الهجرية الجديدة… بداية للتأمل والتجدد

تُعد السنة الهجرية الجديدة مناسبة إسلامية عظيمة، تُحيي في قلوب المسلمين ذكرى حدث تاريخي مفصلي، وهو هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة، والذي لم يكن مجرد انتقال مكاني، بل كان نقطة تحول في مسار الدعوة الإسلامية وبناء الدولة والمجتمع على أسس العدل والرحمة.
إن من أعظم ما يميز ذكرى الهجرة النبوية أنها تذكّرنا بأن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى البشرية رحمة مهداة ونورًا مبينًا في شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:
“وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين” (الأنبياء: 107)، فكانت هجرته المباركة خير دليل على هذه الرحمة، حيث ترك وطنه وأحبّ الناس إليه، لينقذ الإنسانية من ظلمات الجهل والظلم، ويقودها إلى نور الإيمان والعدل.
لقد تجسدت الرحمة في كل تصرفاته، حتى في أصعب لحظات الهجرة لم يدعُ على من آذوه، بل كان يحمل في قلبه الشفقة حتى لأعدائه، وكان يقول: “اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون”.
رحم الضعفاء، ورفق بالنساء، وحمل همّ الفقراء، وعاش بسيطًا في داره، عظيمًا في رسالته، صادقًا في وعده، أمينًا في أمانته.
الهجرة النبوية لم تكن فقط حدثًا تاريخيًا، بل كانت امتدادًا لرسالة الرحمة والسلام والأخلاق، فصارت كل خطوة من خطواته صلى الله عليه وسلم دعوة صامتة إلى المحبة والتسامح والتعايش بين الناس.
وفي ضوء هذه الرحمة، نستلهم من الهجرة أن نكون رحماء في بيوتنا، عادلين في تعاملاتنا، صادقين في نياتنا، وفاعلين في مجتمعاتنا، فبذلك نكون ممن حملوا مشعل الهجرة في قلوبهم لا فقط في ذاكرتهم.
الهجرة: رمز للتضحية والتغيير
جاءت الهجرة بعد سنوات من الاضطهاد والمقاومة، لتكون بداية تأسيس أول مجتمع إسلامي قوي ومتماسك. وهي تذكير دائم للمسلمين بأهمية الصبر، والعمل، والثبات على المبدأ، والسعي نحو التغيير الإيجابي.
فرصة للتجديد الروحي
مع حلول كل عام هجري جديد، يتوقف المسلم لحظة تأمل في عام مضى، محاسبًا نفسه، وطامحًا لبداية نقية جديدة. إنها فرصة لوضع أهداف جديدة، ولتقوية العلاقة مع الله، وتجديد النية في العمل الصالح.
قيم الهجرة في واقعنا
الهجرة لم تكن هروبًا، بل بحثًا عن بيئة صالحة للنهضة، وهو ما تحتاجه الأمة اليوم: الهجرة من السلبية إلى الإيجابية، من الفساد إلى الإصلاح، من التواكل إلى العمل والإنتاج.
خاتمة
كل عام هجري جديد هو هدية من الله، يحمل بين طياته فرصة للتوبة، ولتصحيح المسار، ولغرس الأمل في النفوس. فلنستقبله بالدعاء، والعمل الصالح، وبروح من التفاؤل والتجدد.
كل عام وأنتم بخير، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات