مصر تتحوط في موازنة 2025/2026 لمواجهة أي تراجع في إيرادات قناة السويس بسبب التوترات الإقليمية

في ظل التصعيد المتواصل للتوترات الإقليمية، لاسيّما في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أولت الحكومة المصرية اهتمامًا بالغًا لاتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة أي تراجع محتمل في إيرادات قناة السويس، التي تُعد أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي للدولة.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أنّ موازنة العام المالي 2025/2026 تعكس توجهًا حكوميًا واضحًا نحو التحوّط المالي من خلال عدة محاور، أبرزها تنويع مصادر الإيرادات العامة، مع التركيز على تعظيم الإيرادات الضريبية التي تمثل ما يزيد عن 70% من إجمالي الإيرادات، بما يعادل نحو 2.5 تريليون جنيه من أصل 3.1 تريليون جنيه.
وأشار الإدريسي إلى أن الحكومة تسعى كذلك إلى تعزيز الفوائض المالية من الهيئات الاقتصادية، وفي مقدمتها هيئة البترول، لسد أي فجوة قد تنجم عن انخفاض عوائد قناة السويس. كما جرى التوسع في الاستثمارات الحكومية في قطاعات البنية التحتية والزراعة والصناعة لتقليل الاعتماد على الإيرادات المرتبطة برسوم عبور القناة، والتي تتأثر بالأوضاع الجيوسياسية.
وتضمنت الموازنة الجديدة بندًا احتياطيًا ضخمًا بقيمة تقارب 110 مليارات جنيه لمجابهة الأزمات الطارئة، بما في ذلك تداعيات الصراعات الإقليمية.
وكشف الإدريسي أن إيرادات القناة شهدت تراجعًا بنسبة 50% خلال النصف الأول من عام 2024 مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2023، نتيجة تحويل عدد كبير من السفن مسارها نحو طريق رأس الرجاء الصالح، تجنبًا للمخاطر في البحر الأحمر. وأضاف أن استمرار هذا الاتجاه قد يُفقد القناة ما بين 5 إلى 7 مليارات دولار سنويًا.
ولتقليل أثر هذه الخسائر، اعتمدت الحكومة عدة سيناريوهات بديلة، منها الإسراع في برنامج الطروحات الحكومية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوسيع مشروعات قناة السويس الصناعية واللوجستية لتعويض تراجع الملاحة، إلى جانب التفاوض مع ملاك السفن لتقديم حوافز تأمينية وتشجيع العودة إلى المسار الملاحي المصري. كما تم تعزيز الاعتماد على تحويلات المصريين بالخارج والاستثمارات الخليجية كحلول قصيرة الأجل.
وعن التأثيرات المحلية، أكد الإدريسي أنّ الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل ساهمت في ارتفاع أسعار السلع المستوردة بنسبة تراوحت بين 10 و25% نتيجة لزيادة تكاليف النقل والتأمين، فضلاً عن تجاوز سعر النفط 90 دولارًا للبرميل خلال فترات التصعيد، ما انعكس على أسعار الطاقة والنقل محليًا.
وشهدت أسعار السلع الغذائية الأساسية، مثل القمح والزيوت، ارتفاعًا ملحوظًا نتيجة تأثرها بالواردات من الخليج وآسيا، بينما ارتفع معدل التضخم السنوي ليتجاوز 30% مطلع عام 2025، رغم جهود البنك المركزي في احتواءه من خلال السياسات النقدية المتشددة.
وحذر الخبير الاقتصادي من المخاطر الممتدة على أسواق المال الإقليمية جراء الوضع في الشرق الأوسط، ومن أبرزها تقلبات حادة في أسعار الطاقة والسلع، وزيادة كلفة الاقتراض بسبب ارتفاع عوائد السندات، وتراجع التصنيفات الائتمانية، إضافة إلى الضغوط على الاحتياطات الأجنبية وتقلب أسعار الصرف.
واختتم الإدريسي تصريحاته بالتأكيد على أن الموازنة الجديدة تأتي متوافقة مع التحديات الراهنة، حيث تتضمن إصلاحات هيكلية شاملة وخططًا بديلة لمواجهة التحديات الاقتصادية المحتملة، مع التركيز على تحفيز الاستثمار، وتحقيق التوازن المالي في ظل أوضاع دولية معقدة.