رينال عويضة تكتب : مسرحية الدم والدخان.. هل خدعتنا أمريكا وإيران وإسرائيل؟

القاهرة-٢٥ يوليو ٢٠٢٥
من يتابع المشهد السياسي في الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأخيرة، لا يمكنه أن يتجاهل ما بدا وكأنه “مسرحية كبرى” تُدار باحتراف على خشبة مسرح دولي، أبطاله ثلاثة: الولايات المتحدة، إيران، وإسرائيل. والدماء التي تسيل ليست إلا ثمن التذاكر، يدفعها الأبرياء من شعوب المنطقة. ومع تصاعد الأحداث بوتيرة مقلقة ثم هدوئها فجأة كما بدأت، تتبادر إلى الأذهان تساؤلات أكثر مما تُمنح من إجابات: هل كنا أمام مواجهة حقيقية؟ أم أن ما جرى مجرد تبادل أدوار في مسرح عبثي؟

المشهد الأول: بداية الاشتعال

في فجر الثالث عشر من يونيو، شنت إسرائيل عمليات عسكرية خاطفة استهدفت منشآت نووية وصاروخية إيرانية، شملت مواقع في أصفهان ونطنز وفوردو. جاءت الضربات بعد شهور من التوتر الخفي والتصريحات المتضاربة، لكن الجديد أن الرد الإيراني جاء سريعًا ومدويًا: مئات من الصواريخ والطائرات المسيّرة اجتاحت الأجواء الإسرائيلية، في أكبر هجوم مباشر تتلقاه إسرائيل من إيران على الإطلاق.

لم تكن إسرائيل وحدها من تلقى الرسالة، فالعالم أجمع تابع مذهولًا مشاهد الدخان المتصاعد والنيران المشتعلة، وبدأ الحديث عن “حرب إقليمية” على الأبواب، وربما مواجهة نووية تهدد استقرار المنطقة والعالم.

المشهد الثاني: دخول العملاق الأمريكي

ما إن هدأ صدى الصواريخ حتى دخلت الولايات المتحدة على خط المواجهة، بقيادة إدارة ترامب التي ترى في القوة العسكرية أداة دبلوماسية فعالة. تم تنفيذ ضربات جوية خاطفة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، استهدفت ثلاث مواقع إيرانية نووية بدقة عالية. الرسالة كانت واضحة: لن نسمح لإيران بالوصول إلى القنبلة النووية.

لكن خلف المشهد البطولي، بدأت تتكشف حقائق أكثر تعقيدًا. تقارير استخباراتية أمريكية أشارت إلى أن الضربات لم تُنهِ البرنامج النووي الإيراني، بل أخّرته فقط لأشهر معدودة. إيران كانت قد نقلت بالفعل جزءًا من أجهزتها ومخزونها إلى مواقع سرية يصعب استهدافها. ومع هذه الحقيقة، بدأ الشك يتسلل إلى الرواية الرسمية: هل أرادت أمريكا فعلاً ضرب المشروع الإيراني؟ أم أنها كانت ضربة محسوبة لتحسين شروط التفاوض لاحقًا؟

المشهد الثالث: صمت ما قبل العاصفة

في نهاية يونيو، بدأت خيوط الهدنة تلوح في الأفق. أولاً أعلنت إيران وقف إطلاق النار، تبعتها إسرائيل لاحقًا، بوساطة أمريكية-قطرية مكثفة. بدا وكأن الجميع بحاجة لالتقاط الأنفاس، لكن الحقيقة أن الأمور لم تهدأ تمامًا؛ فالوكلاء الإقليميون لطهران، من حزب الله إلى الحوثيين، ظلوا على أهبة الاستعداد، وإسرائيل لم تُنهِ حالة الاستنفار الجوي. أما واشنطن، فواصلت نشر المزيد من القطع البحرية في الخليج ورسائلها السياسية باتت أكثر ازدواجية.

ما وراء الكواليس: لعبة مصالح لا عقيدة

هنا يفرض التحليل المنطقي نفسه: ما الذي جنته الأطراف من هذا التصعيد؟ إسرائيل أرادت توجيه ضربة استباقية لإضعاف إيران ومنعها من الاقتراب أكثر من العتبة النووية. أمريكا استعرضت عضلاتها عشية انتخابات محتدمة، وأرسلت رسالة مزدوجة: نحن هنا لحماية أمن إسرائيل، لكننا مستعدون للتفاوض. أما إيران، فاستعرضت قدرتها على الرد، وأكدت أنها لم تعد تخشى المواجهة المباشرة.

ومع ذلك، فإن مصالح هذه الأطراف الثلاثة تتقاطع في أماكن وتتناقض في أخرى. إسرائيل تريد تحييد الخطر الإيراني، لكنها لا تملك خطة لما بعد الضربة. أمريكا لا تريد حربًا شاملة، لكنها تحتاج لضبط التوازن في الخليج. وإيران تلوّح بالقوة، لكنها في أمسّ الحاجة لرفع العقوبات وإنعاش اقتصادها المنهك

ويبقي السؤال إلى أين تقودنا هذه المسرحية؟

إذا سلّمنا جدلًا بأن ما حدث ليس سوى فصل من فصول مسرحية كبرى، فإن نهايتها لن تكون تقليدية. الأقرب للواقع أن المنطقة مقبلة على جولات تفاوضية جديدة، تُبنى فيها الاتفاقات لا على نزع السلاح النووي فقط، بل على رسم خرائط النفوذ والتأثير في الشرق الأوسط الجديد. وستُمنح إيران دورًا إقليميًا مشروطًا، وستُمنح إسرائيل ضمانات أمنية أوسع، بينما تواصل أمريكا لعب دور المخرج الحازم الذي يدير المشهد من خلف الكواليس.

لكن مهما بلغ الإتقان في أداء الأدوار، تبقى الحقيقة المؤلمة أن الشعوب وحدها تدفع ثمن هذا العبث. فالدم ليس مجازًا في هذه المسرحية، والخسائر ليست رمزية. إنها لعبة نار، والممثلون قد يُبدعون في التمثيل، لكنهم لا يتحكمون دومًا في نهاية العرض.

وهنا… تبدأ المسرحية الحقيقية..

#رينال_عويضة #إيران #إسرائيل #أمريكا #الشرق_الأوسط #تحليل_سياسي #ضربات_جوية #هدنة_مؤقتة #ترامب #البرنامج_النووي #مضيق_هرمز #التصعيد_الإقليمي #صراع_النفوذ #السياسة_الدولية #المشهد_السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى