السيادة الوطنية.. حرب بلا خريطة

بدأت المنطقة فى دخول مرحلة جديدة من الفوضى الخلاقة السوداء. صراع دولى بملامح مشوهة، ملامح لا تخضع لأى قانون ولا تحكمه حدود أو فواصل. وما شبه لنا أنه رد فعل عسكرى بين طرفين متنازعين، تحول إلى شكل جديد.. غير متصور. تراجع مفهوم الدولة الوطنية، ولم تعد الدولة.. دولة بالمعنى السياسى المعروف، ولا السيادة.. سيادة وطنية حقيقة، ولا حتى الشعوب.. تمتلك حقها القانونى فى الرفض أو التأييد.

مواقف إسرائيل وتصرفاتها.. كأنها كدولة فوق القانون لدرجة ممارسة الاغتيالات الشخصية خارج حدودها الجغرافية كجزء من عقيدتها الأمنية. وعلى النقيض، تقوم إيران بممارسة دورها باعتبارها «الدولة داخل دول أخرى».. عبر وكلائها وميليشياتها وصواريخها. والنهاية، أن كلا الطرفين يتحرك على حساب سيادة الدول الأخرى (سوريا، والعراق، ولبنان، وفلسطين..) بدون استئذان أو اعتبار.

مشهد المنطقة الآن.. يؤكد أنه تم إسقاط ما تبقى من احترام للسيادة الوطنية للدول كقاعدة قانونية أو سياسية، بل وتم التعامل مع المنطقة كملعب مفتوح لمواقف معلنة.. سوريا لم تعترض، والعراق لم يمنع، والأردن لم يختر. ليس لأى تواطؤ مفترض، ولكن لأنهم وقعوا فى أسر قوة دولية مسيطرة وموجهة لتحقيق أهدافها ومصالحها المباشرة.

الكارثة السياسية الحقيقية هو أن الشرق الأوسط الحالى.. يدار سياسيًا من خارج خرائطه سياسيًا وجغرافيًا. أصبح القرار العسكرى يصدر من تل أبيب أو طهران، والتطبيق العملى فى بغداد أو دير الزور أو.. ولم تعد الجغرافيا وحدها تمثل السيادة الوطنية، بل يمكن تحويلها إلى ممر عسكرى متاح للدولة الأقوى لتوظيفه واستخدامه ضد أى دول أخرى فى المنطقة.

فى هذه المأساة الإنسانية.. لم يستشر أحد الشعوب فى اتخاذ قرار الحرب، ولم يخترها أحد. الشعب الإسرائيلى لم يطلب التصعيد.. لكنه سيظل لفترة تحت رحمة صفارات إنذار الخوف والهلع. ولم يقرر الشعب الإيرانى الرد.. لكنه سيتحمل العقوبات والتدمير والموت.

القرار فى إسرائيل تصدره حكومة يقودها رئيس وزراء هارب من أحكام قضائية، ومتورط فى استغلال الموقف لحمايته سياسيًا. وفى إيران.. تصدر القرارات من قيادة دينية محصنة لا تخضع لأى رقابة قانونية وشعبية حقيقية.

إنها الحرب.. حرب بلا ديمقراطية، تجعل قرار موت الشعوب يصدر من خلف أبواب مغلقة، ويترجم إلى صواريخ فى سماء مدن بها مواطنون لا علاقة لهم بالمعركة. حرب تكشف وهم الدولة، ووهم السيادة الوطنية، ووهم الحدود، ووهم القانون. وأخيرًا، وهم الجغرافيا ووهم الخرائط.. بعد أن استخدمت الأرض والشعوب ضمن أوراق بوكر التفاوض.

من الآخر..

الشرعية الوطنية الوحيدة اليوم.. ليست قانونية أو دينية أو أمنية، بل هى أن ترفض الشعوب أن تكون وقودًا لحرب لا تخصها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى