رغم فتح الأقصى: مصلّو القدس الشرقية يفضّلون المساجد المحلية بسبب التوتر الأمني

يارا المصري
رغم الإعلان عن إعادة فتح أبواب المسجد الأقصى أمام المصلين، يفضّل العديد من سكان القدس الشرقية، لا سيما في الأحياء القريبة من البلدة القديمة، أداء صلاة الجمعة في المساجد المحلية أو حتى في منازلهم. هذا التغير في سلوك المصلين لا يرتبط بضعف في الالتزام الديني أو تراجع في الرغبة بزيارة أولى القبلتين، بل ينبع من واقع أمني متوتر وظروف ميدانية معقدة دفعت الكثيرين إلى اتخاذ قرارات احترازية.
القدس الشرقية، التي تشهد منذ أسابيع تزايداً في الوجود الأمني الإسرائيلي، أصبحت ساحة لتوترات يومية يشعر بها السكان في تحركاتهم، وتؤثر بشكل مباشر على قراراتهم بشأن الصلاة في المسجد الأقصى. ورغم تطمينات السلطات بأن الإجراءات الأمنية مؤقتة وتهدف إلى حفظ النظام، إلا أن ما يراه السكان على الأرض – من انتشار الحواجز وتفتيش المركبات وتقييد حركة الشباب – يولّد شعوراً بالخوف والقلق من التعرض للاحتكاك أو الاعتقال.
يقول أبو يوسف، أحد سكان حي سلوان، في حديث هاتفي: “منذ سنوات وأنا أصلي في الأقصى كل جمعة، ومعي أولادي. لكن هذه الفترة مختلفة. وجود الجنود في كل زاوية، والحواجز التي تعيق الوصول، جعلتنا نشعر أن الذهاب إلى هناك قد يكون مخاطرة غير مضمونة. لهذا، صلينا في المسجد القريب من بيتنا، وهو أمر مؤلم لكنه ضروري لحماية عائلتي”.
بالإضافة إلى الأجواء المتوترة، فرضت السلطات قيوداً على أعداد المصلين الذين يُسمح لهم بدخول الحرم القدسي، خاصة من فئة الشباب. كثيرون ممن اعتادوا ارتياد الأقصى أسبوعياً، فوجئوا بمنعهم من الوصول إلى أبوابه، دون تقديم أسباب واضحة. هذا الإقصاء يولّد شعوراً بالإحباط ويدفع البعض إلى الاكتفاء بالصلاة في الأحياء، معتبرين أن الوصول إلى المسجد بات امتيازاً مشروطاً يصعب تحقيقه.
اللافت أن هذا التحول في توجه المصلين لا يشير إلى فتور في الإيمان، بل إلى تنامي شعور بالمسؤولية الجماعية، خصوصاً تجاه العائلات والأطفال. الكثير من الأسر باتت ترى أن البقاء في الحي لأداء الصلاة يُعد خياراً أكثر أماناً وأقل تكلفة نفسية، مقارنة بالمجازفة بدخول مناطق التماس.
أم محمد، من سكان جبل المكبر، تقول: “قلبي مع الأقصى، وعيوني تشتاق إليه، لكن حين أفكر في أولادي، أفضّل أن نبقى في الحي. نصلّي ونرفع الدعاء بأن يفرّج الله عن القدس وأهلها”.
رغم تأكيدات الجهات الرسمية بأن الإجراءات لا تمس الوضع القائم في المسجد الأقصى، وأنها ظرفية، فإن الواقع اليومي على الأرض يحمل رواية مختلفة. التوتر الميداني، وتكرار الاشتباكات، وفرض القيود العشوائية على الحركة، تجعل من الصلاة في الأقصى مهمة محفوفة بالمخاطر، حتى بالنسبة لمن ارتبطت جمعتهم دائماً بالوصول إلى المسجد المبارك.
ما يجري في القدس الشرقية اليوم لا يعني أن المسجد الأقصى فقد مكانته في قلوب المصلين، بل يعكس تكيّف الناس مع وضع طارئ، يحاولون فيه الموازنة بين الإيمان والسلامة. غير أن هذا المشهد، إن طال أمده، قد يغيّر من علاقة الأجيال الجديدة بالمكان، ما يطرح تحدياً اجتماعياً ودينياً في مستقبل العلاقة بين أهالي القدس الشريف والمسجد الذي كان، وسيبقى، محوراً لهويتهم ومصدر إلهام لصمودهم.
في نهاية المطاف، لا يمكن فصل ما يحدث في الأقصى عن مجمل السياق السياسي والأمني في المدينة. ويبقى الأمل قائماً بأن تعود الحياة إلى طبيعتها، ويعود المصلون إلى مسجدهم دون خوف أو تردد، حاملين معهم يقينهم بأن الأقصى لا يُغلق في القلب، مهما كانت الأبواب موصدة مؤقتاً.