سيناريو الانهيار الإيراني.. قبة حديدية مثقوبة وصواريخ تائهة

هند جاد

ما يحدث الآن في العالم.. يمثل المشهد الأكثر اضطرابا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ما حدث بين إيران وإسرائيل يؤكد أننا على أعتاب شكل جديد من الحروب غير التقليدية، التي تتحدى قواعد الاشتباك المعروفة، بل تعيد تشكيل قواعد الردع في الشرق الأوسط. وعلى غير المعروف عسكريًا، اختارت إسرائيل فتح أكثر من جبهة للحرب في آن واحد: غزة، لبنان، وسوريا، مع توجيه ضربات مخابراتية مباشرة داخل العمق الاستراتيجي الإيراني نفسه. والمفارقة التي يجب رصدها وملاحظتها هي أن إيران- حتى كتابة هذا المقال- لم تستوعب حجم المتغيرات التي حدثت من حولها، وبدت كأنها تخوض الحرب بمخططات الماضي في ميدان الحاضر.

لم تقرأ إيران جيدا ما قامت به إسرائيل في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وتجاهلت ما قامت به إسرائيل في ذلك العدوان من أدوات أمنية ومخابراتية شديدة الدقة، مما جعلها تخترق كافة منظومات المقاومة لدرجة اغتيال القادة الرئيسيين والبارزين على مرأى ومسمع من العالم كله. وهو ما تكرر في جنوب لبنان وسوريا وإيران الآن.
فوجئت طهران بأن قواعد اللعبة تغيرت، وأن إسرائيل هي التي تبادر بالضربات العسكرية. ولم تعد تنتظر لتكون رد فعل.

لا تزال أبرز مظاهر الحرب الإيرانية- الإسرائيلية الحالية الذي بلغ ذروته الآن هو الاختراق المخابراتي الواضح الذي تعرضت له إيران، وهو تكرار لما حدث قبل ذلك في غزة حينما قامت إسرائيل باغتيال شخصيات في قلب العمق الأمني فائق الأهمية لحركة حماس، وهو ما جرى أيضا في لبنان من خلال اغتيال قادة حزب الله في مناطق يفترض أنها مؤمنة بالدرجة الأولى. والملاحظ بشكل خاص خلال الفترة الماضية.. أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تم توجيهها إلى بعض المواقع الإيرانية الحساسة جدا داخل سوريا والعراق، ثم توسعت إلى العمق الاستراتيجى الإيرانى الداخلى. ومن الأمثلة الواضحة على ما سبق الضربة التي استهدفت مقرا إيرانيا أمنيا سريا في دمشق في شهر أبريل 2025، مما ترتب عليه مقتل عدد من كبار القيادات الأمنية، وهى عملية مرتكزة على معلومات دقيقة جدا.. مصدرها الجهاز الأمنى الإيرانى نفسه.

أرى أن إيران تبدو غير قادرة على مواجهة التصعيد الإسرائيلى. وباستثناء الحالة الحنجورية عبر وكلاء إيران الإقليميين مثل حزب الله والحوثيين، لم تقم طهران إلى الآن بتنفيذ أي هجوم تكتيكى نوعى حقيقى.. يعادل حجم الخسائر التي أصابتها. وفعليا، لم يحقق كم الصواريخ التي أطلقتها إيران.. تأثيرا استراتيجيا بعد أن استطاعت منظومات الدفاع الإسرائيلية حتى ولو جزئيا اعتراضها.

اكتشفنا خلال الحرب الحالية.. استخدام صواريخ إسرائيلية أكثر تكنولوجيا وتطورا ودقة. وقد استطاعت هذه الصواريخ.. استهداف مواقع إيرانية ذات طابع أمنى، مثل مطارات عسكرية.. تم قصفها وخرجت من الخدمة، ومقار تصنيع عسكرى تم تدميرها بالكامل، بل حتى مواقع لتخزين الذخائر التي انفجرت كأنها حقول من النيران.

قدمت إيران نفسها باعتبارها الند العسكرى لإسرائيل، غير أن الواقع يكشف على النقيض من ذلك. فقد أعلن نظام الملالى امتلاك طهران قدرات صاروخية متطورة، ولكن ما حدث على الأرض.. أظهر عجزا استراتيجيا. ورغم تفوق إسرائيل في المقابل، غير أن قبتها الحديدية.. أخفقت في صد بعض الهجمات الصاروخية، وهو ما يعنى وجود فجوة في منظومتها الدفاعية. ويظل الفارق بينهما.. يكمن في القدرة على إحداث أضرار استراتيجية مباشرة، وهو ما تفوقت فيه تل أبيب عن طهران.

من الآخر..
ما تفعله إسرائيل حاليا هو تصعيد محسوب، يقوم على تنفيذ عمليات عسكرية مكثفة ومتكررة خلال فترات زمنية قصيرة لإرهاق إيران واستنزافها بدون الوصول إلى حرب شاملة. وهو الأسلوب الذي يعرف بـ«الضغط المتراكم».. الذي يؤدي في النهاية إلى شلل في القرار العسكرى لإيران.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى