د. أيمن السيسي يكشف: تحالفات نشر الفوضى… من ” أزواد “

بعد ثلاث سنوات من القتل والنهب وإثر هزيمة نكراء منيت بها على يد أبطال ” أزواد ” في “تينزواتين “، أعلنت ميليشيا “فاجنر “الروسية انسحابها من مالي مدعية أنها أنهت مهمتها لدعم الجيش المالي في معركته ضد الإرهاب، وساهمت في “تحرير العواصم الإقليمية” من سيطرة المسلحين. وهو نفس الزعم الذي سبق لفرنسا (قوات برخان 5 ألاف جندي ) والأمم المتجدة (قوات حفظ السلام ،مينوسما 11 ألف جندي) وأوربا ( قوات تاكوبا 900 جندي ) أن زعموه، ولكن وجودهم جميعا أدى إلى تفشي الإرهاب و تضاعف عدد العمليات الإرهابية في دول الساحل الإفريقي 43 ضعفا عن عام 2011 وزيادة أعداد القتلى واصبحت الصحراء مرتعا ببجماعات وعصابات التهريب وبرغم انفاقهم ما يقرب من 40 مليار يورو ،
وهكذا تغادر كل القوات الأجنبية بعد تردي الأوضاع وزيادة أسباب الإرهاب ، ولكن بعد قيامها – خصوصا فاجنر – بنهب أكبر كمية من الذهب ، بالتعاون مع الجيش وعملاء محليين والتنظيمات الإرهابية نفسها ، كما أسهم وجود ميليشيا فاجنر في التقارب بين أعداء الأمس – تنظيم القاعدة ويمثله جبهة النصرة بقيادة إياد أج غالي وتنسيقية الحركات الأزوادية – وتعاونهما ضدها وضد الجيش المالي ، هذا التحالف أدى إلى هزائم متعددة للجيش المالي، مع الوضع في الحسبان أن هذه المنطقة هي مسرح تنافس وتكالب إستعماري بين الغرب الأطلسي ( أمريكا وأوربا ) والشرق الأوراسي ( روسيا والصين ) ، وهنا ملفات شدية التعقيد و الحساسية وتنافس بين قوى إقليمية ( المغرب والجزائر ) أستغلته الإمارات بعد إسقاط الجيش الجزائري لطائرة مالية مسيرة بعد دقائق من دخولها حدوده الجنوبية
هذا الحادث الذي أعاد علاقات مالي مع الجزائر إلى مربع الخلافات والتوجس، فاستغلته الإمارات لإحكام الحصار حول الجزائر بالتعاون مع المغرب لإضعافها وتخريبها بزيارة شخبوووط الإماراتي (وزير ) إلى باماكو باعتبارها الحلقة الأضعف بعد رفض موريتانيا المشاركة في طعن الجزائر وهو ما يؤكد صلابة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وحفاظه على مصالح بلاده وعدم رهن قرارها لدى أي قوةدولية أو إقليمية ، و في باماكو تم إعلان التنسيق لتعاون متعدد مع الإمارات منه الأمني ، وليس بعيدا عن محاولات الإختراق ومنعه وهشاشة دول الساحل وضعف بنيانها السياسي والإداري وتردي أوضاع شعوبها ، وتنامت قوة الجماعات الإرهابية جبهة النصرة بقيادة أياد أج غالي وماسينا بقيادة ممادو كوفا ، ورضوخ تنسيقية الحركات الأزوادية للتعاون مع ” النصرة ” بعد أن عوضتها الأخيرة عن خسائرها المادية في معركتهما الأخيرة –قبل التعاون – في غابات ” وقادو “
وقد سبق للجيش الموريتاني أن خاض معركة كبيرة ضد هذه التنظيمات الارهابية، وبعد إمتلاك تنسيقية الحركات الأزوادية الطائرات المسيرة زادت الخسائر المادية والبشرية للجيش المالي وفاجنر إثر غارات جوية للطيران الأزوادي ضد الجيش المالي ومرتزقة فاغنر في “سومبي ” القريبة من تمبكتو
ولا أعتقد أن ” الفيلق الأفريقي ” الذي حل مكان ” فاجنر ” أو حتى أستبدل الأسم باسم سيكون له دور مؤثر بعد نقل معركة روسيا والغرب إلى أفريقيا ، ومع هذا التحالف الأزوادي القاعدي ، و بعد هذه العمليات النوعية التي قامت بها جبهة النصرة وإقترابها من باماكو وإحتمالية السيطرة عليها خصوصا وأحوالها وأحوال مالي كلها سيئة وأقتصادها هش والمشكلات بين الجنرالات ( الحكام ) تتصاعد خصوصا أسيمي جويتا الرئيس الإنتقالي ووزير دفاعه
و تتصاعد الأحداث وهي العملية الثالثة خلال الشهر الماضي (مايو2025 ) ، بعدغارتين استهدفتا معسكرات للجيش في ” ليرا ” و “تيساليت ” ، بعد أن انتقلت لقوات الأزوادية، من مرحلة الإختباء لتلافي ضربات طائرات بيرقدار التركية المسيرة والتي عاني منها الأزواديين أو كما قال لي الشيخ أحمدو الطارقي ” كيف لرئيس مسلم أن يساهم في قتل إخوانه المسلمين ” عندما ألتقيته في المكفى ( أقصى شرق موريتانيا ) مع عمدتها عبد الله ولد سيدي حننا ..
ولكن الآن بعد إمتلاك التنسيقة للدرون والتعاون مع النصرة لم يعد الأزواديون يقتصرون في مواجهة عدوهم على الاشتباك البري، بل انتقلت إلى السماء وبدأت مرحلة “الهجوم الاستراتيجي” ، و الذي طال مدنًا مثل تمبكتو، ليري، غوندام، تيساليت، فهل يعني ذلك تفكيكا للبنية العسكرية للتحالف المالي الروسي بعد أن أصبحت القوات المالية وحلفاؤها في موقع دفاعي ضعيف وتغلغل التنظيمات الإرهابية في دول الساحل
و بدأ نشر الفوضى وهذه التحالفات والتحالفات المضادة عطفا على ما حدث في سوريا وإعادة إشعال النار في السودان ليبيا وخلط الأوراق ، و ستعمل على زعزعة الأمن في المنطقة والإخلال بالتوازن الإقليمي ونشر الفوضى ، وقد بدأ بمهاجمة قوات الدعم السريع فى السودان بمعاونه قوات مرتزقة ليبية بمهاجمة نقاط حدوديه بين مصر والسودان ، وهي المنطقة التي تمثل الإمتداد الجغرافي والبشري الطبيعي المفتوح لخط جنوب الصحراء
وذلك يفرض على موريتانيا الحذر وتعزيز المراقبة الحدودية لأنها الدولة الوحيدة المستقرة في هذا النطاق الجغرافي ، ولكنها ليست آمنة من احتمالات تسلل عناصر إرهابية مسلحة أو مرتزقة وهي الأن تمتلك القوة والخبرة بعد أن قام الرئيس غزواني في خطوة إستباقية بتحديث جيشها بشكل كامل ورفع كفاءته القتالية بالتدريب والمناورات المشتركة والفردية وكان أهمها المناورات والتدريب على الحدود المشتركة مع مالي كرسالة واضحة
وقد أشار الرئيس غزواني بالتحذير أنَّ ” كل شيء يمكن أنْ يتغاضى عنه إلا زعزعة الاستقرار الذي تنعم به بلاده” و أضاف في تحدٍّ واضح وتهديد قوي :”أنَّه لا ينصح أي جهة داخليَّة أو خارجيَّة بمحاولة اختبار ردة فعل جيشه في حالة ما إذا تمَّ الاعتداء على الأمن الوطني ” ولكن تصاعد الهجمات في منطقة الساحل يفرض على موريتانيا زيادة التوجس ومزيد من الإحتراس ، وتكثيف مراقبة الحدود واستخدام سكناها الوطنيين ودعمهم لمشاركة الجيش في الحماية خصوصا وأن الحدود مع مالي 2237كم ومع الجزائر 460 كم ، مع وجود خلايا نائمة ، وتزايد الوجود غير الشرعي لأفارقة بعضهم يتعرض عرقة لإبادة جماعية مثل الفولان” وتشابك الأزمات في الإقليم كله ، وسيطرة داعش على مثلث الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا ” تورا بورا الصحراء ” أو” ساحلستان ” وتوسعه كثيرا وإقترابه من بنين وتوجو وغيرهما من دول المنطقة.