د. أحمد الدويك يكتب : التحول الاقتصادي العالمي — ملامح عصر جديد

 

يشهد العالم اليوم تحولًا اقتصاديًا واسع النطاق، تتغير فيه موازين القوى التقليدية وتتقدم فيه قوى ناشئة لتشكل معالم نظام اقتصادي عالمي جديد. فمع تطور التكنولوجيا الرقمية، وتغير أنماط الإنتاج، وتسارع العولمة، أصبح من الضروري إعادة التفكير في السياسات الاقتصادية والتنموية.

أولًا: نهاية المركزية الغربية
لم تعد الاقتصادات الكبرى التقليدية مثل الولايات المتحدة وأوروبا وحدها تتحكم في القرار الاقتصادي العالمي، بل ظهرت قوى اقتصادية صاعدة مثل الصين، والهند، والبرازيل، مما أعاد تشكيل خريطة النفوذ الاقتصادي.

ثانيًا: التكنولوجيا تقود الاقتصاد
أصبح الابتكار الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر من المحركات الرئيسية للنمو. التحول نحو الاقتصاد الرقمي جعل من البيانات والنظم الذكية موارد اقتصادية لا تقل أهمية عن النفط والمعادن.

ثالثًا: تحديات العدالة الاجتماعية
رغم التقدم التكنولوجي، برزت تحديات مثل تفاوت الدخل، البطالة التكنولوجية، والفجوة الرقمية بين الدول. وهذا يتطلب إعادة صياغة سياسات العدالة الاجتماعية وتحديث منظومات التعليم والتدريب.

رابعًا: الاستدامة والاقتصاد الأخضر
تتجه السياسات الاقتصادية الحديثة إلى إدماج مفاهيم الاستدامة، حيث أصبح الاقتصاد الأخضر شرطًا ضروريًا للحفاظ على البيئة وضمان مستقبل الأجيال القادمة.

إن التحول الاقتصادي العالمي ليس مجرد تغيير مؤقت، بل هو انتقال نحو منظومة اقتصادية جديدة أكثر تكاملًا وارتباطًا بالتكنولوجيا والبيئة. والاستعداد لهذا التحول يتطلب وعيًا، واستثمارًا في الإنسان، وتعاونًا دوليًا مشتركًا، لذلك تشهد مصر تحولًا اقتصاديًا عالميًا ملحوظًا، مدعومًا برؤية “مصر 2030” التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة.

أبرز ملامح هذا التحول:

– البنية التحتية الكبرى: مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومنطقة قناة السويس الاقتصادية تسهم في جذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل.

– التنمية الصناعية: زيادة صادرات الأسمنت والأسمدة بنسبة 350% منذ 2019، مدعومة بدعم حكومي وأسعار غاز ثابتة.

– الطاقة المتجددة: مشروعات مثل محطة بنبان الشمسية وخطط الربط الكهربائي مع أوروبا تعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.

– الشراكات الدولية: استثمارات إماراتية بقيمة 35 مليار دولار في رأس الحكمة، واتفاقيات مع الصين ضمن مبادرة الحزام والطريق، تعكس الثقة الدولية في الاقتصاد المصري.

– الإصلاحات الاقتصادية: دعم صندوق النقد الدولي بمليارات الدولارات، مع تنفيذ إصلاحات تشمل توحيد سعر الصرف وزيادة الحد الأدنى للأجور.

رغم التحديات مثل التضخم والديون، فإن مصر تسير بخطى ثابتة نحو اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة، مع التركيز على الابتكار والتعليم الفني والتقني.

في الختام، يمكن القول إن مستقبل الاقتصاد المصري يحمل الكثير من الفرص الواعدة، خاصة مع استمرار الدولة في تنفيذ مشروعات قومية كبرى، وتحقيق شراكات دولية استراتيجية، وتعزيز مناخ الاستثمار. وبرغم التحديات العالمية، فإن الإصرار على الإصلاح، وتنويع مصادر الدخل، والاعتماد على التكنولوجيا والطاقة المتجددة، يشير إلى أن مصر تسير بخطى واثقة نحو اقتصاد أكثر استقرارًا واستدامة يلبي طموحات الأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى