محمود عابدين يكتب لـ ” مدن” :  ماراثون الانتخابات البرلمانية 2025 (3)

 

استمرارا للكتابة عن مجلس النواب، وعضوه المحتمل في دورته القادمة، استحضرت حادثة معروفة، ومثيرة للدهشة والتساؤل في آن، وهي الواقعة الشهيرة التي “عاير” فيها رئيس البرلمان د. علي عبد العال، أحد النواب بتجارته في الآثار، قائلا: “خليك في الآثار يا بتاع الآثار”….!!

ولأنني مهتم بهذا الملف الخطير، اهتماما يليق بأهمية وقدسية حضارتنا القديمة التي علمت الدنيا بأسرها أبجديات كافة فروع العلم والمعرفة، بشهادة علماء العالم أجمع دون مبالغة، فقد اعتبرت هذه الواقعة أمرا مقلقا في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، وسألت نفسي حينها – بصرف النظر عما آلت إليه مثل هذه السقطات بعد ذلك -: هل يُعقل أن من يفترض فيهم حماية الدستور – كما فعل عباس محمود العقاد، وقت أن كان عضوا برلمانيا ضد الملك – هم الذين يخالفونه؟؟!!

بهذه المناسبة، يحضرني – كمواطن معني بمحاولة فهم الواقعة المشار إليها – عدة أسئلة، السؤال الأول: هل حصانة هذا النائب تحميه من التحقيق في جريمة الاتجار في الآثار…؟؟!!.. السؤال الثاني: هل النائب المشار إليه، غاب عنه عقوبة الاتجار بالآثار في المادة 42 من القانون رقم 91 لسنة 2018 المعدل لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، والذي “يعاقب كل من سرق أثرًا سواء أكان مسجلا أو لا، أو سواء أكانت معدة للتسجيل، أو من الهيئات المصرح لها بالتنقيب وأعمال البعثات، وكان ذلك بقصد التهريب، يعاقب حينها بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على 5 ملايين جنيه”…..؟؟!!

السؤال الثالث: أين كانت الأجهزة المعنية بالتحري عن حسن سير وسلوك هذا النائب وقت أن كان مرشحا لعضوية البرلمان….؟؟!!.. السؤال الرابع: هل يوجد إجراء دستوري أو قانوني يمكن اتخاذه أو العمل به ضد رئيس مجلس النواب الذي علم بتورط النائب في تجارة الآثار، واكتفي بمعايرته في جلسة برلمانية مفتوحة، دون التحقيق معه ومحاسبته….؟؟!!، السؤال الخامس: هل تحركت وزارة الآثار ممثلة في وزيرها، وطالبت بالتحقيق في تلك الواقعة ونشر تفاصيلها على الرأي العام، كونها تخص عضوا عن الشعب….؟؟!!، السؤال السادس، والأهم: كيف تصرف أعضاء المجلس الموقر بعد علمهم الواقعة كنواب مسئولين عن حماية مقدرات الوطن…..؟؟!!

في هذا السياق، كنت قد كتبت مقالا تحت عنوان “الشعب يناشد البرلمان فتح هذه الملفات”.. بتاريخ 31/أغسطس/2016 عن ملف آثارنا التى تُنهب وتُسرق منذ عقود طويلة، وذكرت فيه – على سبيل المثال لا الحصر – أننا بعد 25 يناير، وحتى ثورة 30 يونيه، لم يمر علينا يوم، إلا ونسمع فيه عن اقتحام اللصوص لـ: مخازن، قلاع، تلال، ومتاحف الآثار هنا وهناك وسرقة ما فيها….!!

كما أن القطع والمومياوات والتوابيت المسروقة، كانت محددة ومعروفة سلفاً، يعنى بمنتهى الصراحة، الكلام ده مالوش غير تفسير واحد فقط، هو أن من قام بسرقة هذه الكنوز يعرف جيدًا ما الذى يفعله، نستند فى ذلك إلى كلام د. عبد الرحمن العايدى – مدير الإدارة المركزية لآثار مصر الوسطى الأسبق – عندما أكد للإعلام مراراً وتكراراً ان “سرقة المتحف المصرى أثناء الثورة كانت مدبرة، وتساءل “العايدي”:
– أين الكاميرات التى كانت تراقب المتحف….؟!، مضيفاً أن “ثمن هذه الكاميرات يتعدى الـ 80 مليون جنيه”….!!، وكرر مدير الإدارة المركزية لآثار مصر الوسطى الأسبق تساؤله: كيف اختفت الشرائط التى سجلتها كاميرات المتحف وقت اقتحامه….؟؟!!

وفي مقال ثاني لي بعنوان “قوانين مشبوهة.. تساعد على سرقة وتهريب الآثار” بتاريخ 08/ديسمبر/2016، كتبت أنه قبل صدور قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، كانت تجارة الآثار عندنا تتم بترخيص من الدولة، مثلها فى ذلك مثل أى تجارة، يقوم التاجر بعدد من الإجراءات:
– سجل تجارى وبطاقة ضريبية بموجبها يدفع الرسوم المقررة عليه كل عام، فى باب العقوبات من هذا القانون، نجد أنه منع تجارة الآثار وجرمها بالسجن والغرامة طبقاً لطبيعة النشاط “تجارة، سرقة، تهريب، وتربح من وراء الآثار”، وتراوحت تلك العقوبة ما بين الغرامة المالية والسجن لمدة قد تصل إلى 7 سنوات لغير الأثرى، وضعفها إذا كان المتهم من العاملين بالآثار، لحد كده و”حلو الكلام”، لكن المفاجأة هنا أن من وضعوا هذا القانون خدموا به “علية القوم”، من الحائزين فى بيوتهم على آثارنا”.
فمثلاً نصت المواد: “7- 8 – 9” من ذات القانون على “جواز تسجيل الآثار التى كانت فى حوزة: التجار، والأثرياء والاحتفاظ بها فى منازلهم بصفتهم “حائزين”، و يعنى “حُراس” عليها فى بيوتهم، شفتوا إزاى…. ؟!، وطبقاً لهذا القانون أيضاً تسابقت هيئة الآثار مع الزمن وأنشأت إدارة جديدة باسم “إدارة حيازة الآثار”….!!، على أن يكون عمل تلك الإدارة هو القيام بتسجيل القطع الأثرية لدى التجار والأثرياء فى سجلات قيد آثار، ومن ثم تحفظ نسخة لدى هؤلاء التجار والأثرياء فى منازلهم، أما النسخة الأخرى تكون لدى إدارة الحيازة ومن ثم تقوم هذه الإدارة بالتفتيش الدورى على القطع الأثرية بمنزل كل حائز للاطمئنان على وجودها وعدم فقدانها أو تزييفها…. !!

الكلام ده بقى مش جميل خاااااالص، تعالوا نلقى الضوء على جانب مهم من هذا القانون، لقد بلغ عدد القطع التى تم رصدها بسجلات قيد القطع الأثرية لدى الحائزين من تجار وكبار رجالات الدولة فى نظام مبارك أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، وهى قطع تنتمى لجميع العصور: فرعونى فى معظمها، وإسلامى، وقبطى، ويونانى، ثم رومانى وقطع أثرية من العصر الحديث.

وفي مقال ثالث لي بعنوان “إلى مجلس النواب.. من يتصدى منكم لملف الآثار”؟.. بتاريخ 03/أغسطس/2016 أوضحت فيه – على لسان مصادر فى “الآثار” – أنه “منذ عام 1961 وحتى وقت قريب، لم تقم لجنة جرد حقيقية بالكشف عن جرائم: السطو، التزييف، والإهمال التى شهدها تراثنا الأثرى، وتنشرها قي وسائل الإعلام لاطلاع الرأي العام على نتائجها، مؤكدة أن “اللجان الهلامية التى كُلفت بعمليات جرد هنا أو هناك، ما هى إلا لذر الرماد فى العيون، وليس لديها سوى جملة واحدة فقط وهى “لم يُستدل على القطع الأثرية المُبلغ عن ضياعها أو سرقتها أو تزييفها”.

وهذا يعنى “تمييع” أى قضية فى الآثار أمام جهات التحقيق، وهنا نناشد البرلمان، والحكومة معا أن يسندوا مهمة الجرد – بحسب الدستور – إلى جهة رقابية محايدة مكونة من: خبراء، أساتذة جامعة متخصصين ومشهود لهم بالنزاهة وطهارة اليد، للكشف عن كنوز مصر الأثرية في: المخازن، المتاحف، التلال، المناطق، والمعارض الخارجية، ثم عرض هذه النتائج على: أعلى سلطة في البلاد، وعلى البرلمان، وعلى الرأى العام معا……؟؟!!

وليس ملف الُاثار وحده الذي يحتاج إلى تدخل البرلمان كسلطة تشريعية ورقابية، بل هناك ملفات أخرى لا تقل أهمية عن الآثار، لا تشكيكا، ولا اتهاما، بل حرصا على سير العمل والارتقاء به من مبدأ الشفافية، مثل وزارات: المحليات، الزراعة، الثقافة، التعليم، الإعلام، البيئة، الطاقة، التعليم العالي، القضاء، و…….. وجميعها ملفات مثقلة بالهموم، وفي أمس الحاجة إلى إعادة النظر في: التشريع، الرقابة، المتابعة، والتوجيه، وذلك اتساقا مع أي مستجدات علمية أو تكنولوجية تخدم الوطن والمواطن.

اللافت إنه في أثناء كتابتي لهذا المقال، وبعد تصديق الرئيس السيسي، تم توزيع الدوائر وأعداد المقاعد في قانوني انتخابات مجلسي: النواب والشيوخ، بالنسبة لانتخابات مجلس النواب: عدد المقاعد 568 بالانتخابات، القوائم مقسمين علي 4 دوائر موزعة كالتالي : 284 نائب منتخب في القوائم،40 مقعد بدائرتين،102 مقعد بدائرتين، 284 نائب فردي، يتم تعيين 5%، إجمالي عدد أعضاء النواب انتخاب وتعيين 596 عضوًا، أما بالنسبة لانتخابات مجلس الشيوخ، فهي كالتالي: 300 مقعد، 100 فردي، 100 قائمة، القائمة تضم 4 دوائر: 13 مقعد مخصصين لدائرتين، 37 مقعد لدائرتين، يتم تعيين 100 عضو.

ختاما، نجدد أمنياتنا أن نحظى بمجلس نواب في الانتخابات القادمة بحجم التحديات والمؤامرات: الداخلية والخارجية التي تواجه مصر في الوقت الراهن، وهذا لن ولم يتم – كما سبق وذكرنا – إلا من خلال: حرص الجهات المعنية برفض أوراق أي مرشح تحوم حوله الشبهات، مثل: نائب الآثار و……، والحرص – كل الحرص – على وأد ظاهرة المال السياسي الذي أوصل عدد لا بأس به من النواب إلى المجلس، إضافة إلى وعي الناخب في اختيار نواب أصحاب رسالة وطنية، يقدرون حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم، ويفضلون مصلحة الوطن والمواطن على مصالحهم الشخصية والحزبية.. وللحديث بقية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى