العلاقة بين “إتفاقيات إبراهام للسلام” للتطبيع بين الإمارات وإسرائيل وشراء الإمارات لطائرات الجيل الخامس الصينية المقاتلة

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
جاءت زيارة عدداً من كبار المسؤولين العسكريين الإماراتيين إلى العاصمة الصينية بكين لمناقشة مختلف جوانب العلاقة الدفاعية والعسكرية وكيفية حصول الإمارات على المقاتلات الشبحية الصينية من الجيل الخامس فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعد تعنتهما مع الجانب الإماراتى فى تسليحها بهذا النوع من المقاتلات الأمريكية (إف-٣٥) المتقدمة، والتى تنتجها (شركة لوكهيد مارتن الأمريكية)، ومقاتلة (إف-٣٥) هى مقاتلة شبح من الجيل الخامس للولايات المتحدة الأمريكية، وجاء رفضها لإمداد الإمارات بها، حرصاً منها على تفوق إسرائيل فى المنطقة، على الرغم من (إتفاقية السلام الإبراهيمى) المبرمة بينهما، ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها الآلاف من القوات الأمريكية المتمركزة فى (قاعدة جوية إماراتية على بعد ٢٠ ميلاً خارج إمارة أبو ظبى)، إلا أن (إتفاقيات السلام الإبراهيمى مع الإمارات ولا القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضى الإماراتية)، لم تكن كافية لعدول الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها برفض إمداد الإمارات بمقاتلات (إف-٣٥) المتقدمة الأمريكية لها، كما أن زيارة الرئيس الأمريكى “ترامب” الأخيرة للإمارات فى منتصف شهر مايو ٢٠٢٥، ومعها السعودية وقطر، لم تكن كفيلة أيضاً برضوخ الجانب الأمريكى لمطالبات الإماراتيين والسعوديين والقطريين بحصولهم جميعاً على مقاتلات (إف-٣٥) الأمريكية منها، وعلى الرغم من تمركز (قاعدة العديد الأمريكية) داخل الأراضى القطرية، ورغم ذلك، فلم يكن ذلك كافياً للجانب الأمريكى لإبداء مرونة معهم. الأمر الذى يؤكد، لعب الولايات المتحدة الأمريكية على ورقة مصالحها مع الجميع.
ومن وجهة نظرى التحليلية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يرفضوا إمداد حلفاؤهم فى المنطقة، وعلى رأسها الإمارات، بتكنولوجيا الجيل الخامس الشبحية الأمريكية المتقدمة ضماناً لإحتياجهم لها فى مواجهة ضربات الحوثيين المدعومين من إيران عليهم. فمثلاً مع تزايد الضربات الجوية التى وجهها الحوثيون من جبال اليمن إلى مناطق حساسة وذات أهمية إستراتيجية فى الإمارات عام ٢٠٢٢، أصبحت الإمارات تحت التهديد، وعندما كررت طلبها للجانبين الأمريكى والإسرائيلى على إصرارها على إمدادها بمقاتلات (إف-٣٥) المتقدمة الأمريكية لها، إلا أن طلبها قوبل بالرفض التام، رغبةً منهما فى ممارسة ضغوط عليها فيما يتعلق بمواجهتها مع الجانب الإيرانى وميليشيا الحوثيين المدعومة منه.
لذا لجأت الإمارات إلى البديل لمقاتلات (إف-٣٥) الأمريكية من الصين، وذلك فى إطار سعيها لتعزيز دفاعاتها بعد سلسلة هجمات الحوثيين عليها. وبناءً عليه، أعلنت (وزارة الدفاع الإماراتية) نيتها التعاقد مع (شركة الصين الوطنية للإستيراد والتصدير لتكنولوجيا الطيران) “كاتيك”، وهو ما إعتبره الجانب الأمريكى والإسرائيلى بمثابة هرولة إماراتية نحو بكين حليفة إيران فى مواجهتهم رغم وجود (إتفاق سلام إبراهيمى بينهما وقواعد أمريكية منتشرة على الحدود الإماراتية). الأمر الذى يثبت نظرية لعب الجانبين الإسرائيلى والأمريكى على مصالحهما حتى فى مواجهة حلفاؤهم كالإمارات لإضعافهم، لضمان السيطرة عليهم فى المستقبل عبر البوابة الخلفية الإيرانية، والتحجج بحمايتهم من ضربات الحوثيين عليهم، بدلاً من تسليحهم وتدريبهم تقنياً وعسكرياً بتكنولوجيا متقدمة تتيح لهم الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم.
ومن أجل ذلك، كان القرار الإماراتى عسكرياً بالحصول على أسلحة وطائرات جديدة من الصين، لمواجهة الوضع الذى لم تتعرض له بهذه الصورة منذ تاريخ تأسيسها فى ٢ ديسمبر ١٩٧١، بسبب ضربات الحوثيين المدعومين من إيران عليها. خاصةً مع زيادة المخاوف الإماراتية من الضربات الحوثية التى تؤثر بشدة على إقتصادها القائم بالأساس على الإستثمار الأجنبى والسياحة. وربما هذا يعكس أزمة ثقة فى العلاقات الأمريكية مع الإمارات، لذا (بات لزاماً على واشنطن مراجعة حساباتها وإصلاح العلاقات مع الإمارات عسكرياً إذا كانت فى نيتها عملية سلام كاملة معهم عبر إتفاقيات السلام الإبراهيمى مع إسرائيل). وفى حين أن صفقة الأسلحة المقترحة للإمارات من واشنطن، كانت قيد النقاش لسنوات طويلة، إلا أنها إستُخدمت كحافز إضافى للإمارات بعد ذلك، لضمان إبرام إتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، ورغم ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتعنت مع الإمارات بشأن ضمان إتمامها لأى صفقة عسكرية معها متعلقة بالمقاتلات الشبحية من الجيل الخامس (إف-٣٥) الأمريكية إليها.
وعلى الرغم من توقيع (إتفاقات إبراهام للسلام) بين الجانب الإماراتى وتل أبيب برعاية أمريكية، إلا أن ذلك لم يكن شفيعاً بالنسبة للجانب الإماراتى بالحصول على عقد صفقة أمريكية لبيع مقاتلات (إف-٣٥) المتقدمة إليها، ونفس الأمر ينطبق على الجانب السعودى والبحرينى والقطرى، وذلك على الرغم من فتح واشنطن لقنوات إتصال مع الجميع لتعزيز وضمان عملية السلام الحالى أو المستقبلى مع تل أبيب، ورغم ذلك، فإن حصول تلك الدول الخليجية حتى المطبعة علاقاتها مع إسرائيل، لم يكن أبداً عذراً مقبولاً لمخالفة الولايات المتحدة الأمريكية شروطها ووعودها فى إمداد تل أبيب فقط بمنظومة دفاعها المتطورة فى المنطقة.
وقد دفع الإحباط المتزايد لدى الإمارات بشأن صفقة طائرات (إف-٣٥) الأمريكية إليها
F-35
والمتوقفة التفاوض عليها مع واشنطن ربما بوساطة إسرائيلية للإمارات بعد إبرام إتفاق تطبيع وسلام إبراهيمى معها، إلى إستكشاف خيارات أخرى للإمارات، بما فى ذلك المقاتلة الصينية الشبحية من مقاتلات الجيل الخامس المعروفة بإسم (تشنغدو جى-٢٠)، والتى تعرف إختصاراً عسكرياً، بإسم
(جى-٢٠) J-20
والتى تنتجها (مجموعة تشنغدو لصناعة الطائرات الصينية)
(Chengdu J-20)
(Chengdu Aircraft Industry Group)
وأدى ذلك لزيارة (رئيس العمليات المشتركة الإماراتية) إلى بكين فى أواخر شهر إبريل ٢٠٢٤، للقاء (قائد القوات الجوية الصينية). مما يشير إلى تحول إماراتى محتمل نحو التكنولوجيا العسكرية الصينية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الإسرائيلى. مع الوضع فى الإعتبار، بأن الطائرة الأمريكية (إف-٣٥) والطائرة الصينية (جيه-٢٠)، كلاهما تتمتع بتقنية التخفى من الجيل الخامس.
وهنا جاء الرفض الأمريكى للطلب الإماراتى بالحصول على طائرتها المقاتلة من طراز “إف-٣٥”، ضماناً للتفوق النوعى لإسرائيل عسكرياً فى منطقة الشرق الأوسط. ومن أجل ذلك توجهت الإمارات إلى الصين لشراء منظومة المقاتلات الصينية الشبحية المتقدمة فى مواجهة هذا التعنت الإسرائيلى والأمريكى فى مواجهتها. هذا وعلى الرغم من زيارة الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” إلى دولة الإمارات فى شهر مايو ٢٠٢٥، إلا أن ذلك لم يحدث مرونة لدى الجانب الأمريكى فى تذليل العقبات ومنح الإمارات عقود للحصول على تلك المقاتلات الأمريكية (إف-٣٥) التى تختص بها إسرائيل وحدها فى المنطقة. لذا توجهت الإمارات إلى دولة الصين عسكرياً للحصول على الطائرة الصينية من مقاتلات الجيل الخامس، من طراز “جى-٢٠”
J-20
والتى طورتها (مجموعة تشنغدو لصناعة الطائرات المحدودة التابعة لشركة صناعة الطيران الصينية)، والتى تمثل تقدماً كبيراً فى مجال الطيران العسكرى الصينى عالمياً، والتى تعرف كودياً عسكرياً داخل الصين، بإسم “التنين العظيم”
“Mighty Dragon”
ومن المتوقع أن تعزز طائرات “جى-٢٠” الصينية من قدرات الإمارات الجوية بشكل كبير، لأن هذه النوعية من الطائرات المقاتلة الصينية من الجيل الخامس تتميز (بتقنيات تخفى، والقدرة على المناورة العالية، وأنظمة إستشعار متقدمة)، مما يجعلها إضافة قوية لأى قوة جوية.
وفى هذا الإطار، أعلنت (الشركة الوطنية الصينية لإستيراد وتصدير تكنولوجيا الطيران)، المعروفة عسكرياً بإسم
(CATIC)
بتوقيعها عقد بيع مع الإمارات العربية المتحدة لبيع ١٢ طائرة تدريب متقدمة ومقاتلة خفيفة من طراز “إل-١٥ هونغدو”
“L-15” “Hongdu”
كما يأتى التخوف الأمريكى على الناحية الأخرى من إمداد الإمارات بمقاتلات (إف-٣٥) الأمريكية، تخوفاً من أن تكنولوجيا الجيل الخامس التى زودتها (شركة هواوى الصينية) لدولة الإمارات، والمستخدمة فى محطات الإتصالات والقواعد الجوية وغيرها من مرافق الأمن القومى الإماراتى، قد تسمح لبكين بدراسة القدرات التشغيلية لطائرة (إف-٣٥) الأمريكية عن قرب فى حال زودت الإمارات بها. وتتحجج الولايات المتحدة الأمريكية للإمارات بإستخدامها (تكنولوجيا هواوى الصينية) فى مواجهتها. الأمر الذى دفع الحكومة الأمريكيية كى تطلب من الإمارات العربية المتحدة عدة مرات، لإسقاط وإبعاد (شركة هواوى تكنولوجيز الصينية) من شبكة الإتصالات الإماراتية الخاصة بها، مع التحذير الأمريكى المستمر للإمارات، بأن التكنولوجيا الصينية يمكن أن تشكل خطراً أمنياً متزايداً على أنظمة أسلحتها الأمريكية عسكرياً. وهو نفسه ما أكده قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال (مايكل إريك كوريلا)، للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ خلال جلسة إستماع ترشيحه فى عام ٢٠٢٢، بأنه “يعتقد أن الإمارات تبحث فى قدرات أخرى من شركائها كالصين عسكرياً الأمر الذى يضر بالأمن القومى الأمريكى”.
ومن أجل ذلك، شعرت دولة الإمارات بالإحباط عدة مرات من هذا التعنت الإسرائيلى والأمريكى فى مواجهتها بعد رفضهما صفقة عقود لشراء بمليارات الدولارات لشراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز (إف-٣٥) الأمريكية، فى إشارة إلى إحباط أبوظبى المتزايد من محاولات واشنطن الحد من مبيعات التكنولوجيا الصينية إلى الإمارات رغم إبرامها إتفاقية سلام إبراهيمى مع إسرائيل. كما شكك المسؤولون الإماراتيون فى الوقت ذاته بشأن مزاعم الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الخرق الأمنى الصينى المحتمل من قبل (شركة هواوى الصينية العاملة فى الإمارات)، وأعربوا عن قلقهم بشأن الوقوع فى فخ “حرب باردة جديدة” بين شريك تجارى كبير كالصين وحليف إستراتيجى رئيسى كالولايات المتحدة الأمريكية.
ولم تتوقف الضغوط الأمريكية على الإمارات عند حد حرمانها عسكرياً من مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية (إف-٣٥)، فقد تم إيقاف (ميناء شحن صينى قيد الإنشاء بالقرب من أبو ظبى)، وذلك بعد ضغوط أمريكية مكثفة على الإمارات، لإغلاق تلك المنشأة الصينية بسبب شكوك أمريكية فى إستخدامها صينياً لأغراض عسكرية داخل الإمارات، وحذر وقتها العديد من المسؤولين الأمريكيين من أن المخاوف الأمنية بشأن الوجود الصينى داخل الإمارات تقف حجر عثرة أمام التعاون الأمريكى الإماراتى عسكرياً.
وبناءً على التحليل العسكرى السابق وفهم كافة جوانبه وأبعاده، فإن العلاقات الودية للإمارات مع واشنطن لم تكن كفيلة لواشنطن بإمداد الإمارات لمقاتلات (إف-٣٥) الأمريكية، حيث تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية بأن روابط الإمارات المتنامية مع الصين تشكل مصدر قلق مستمر، لا سيما فى سياق صفقة الأسلحة المرتقبة بينهما، والتى تتعنت واشنطن بالأساس فى إبرامها وتمريرها بل وإتمامها للإماراتيين حتى بعد زيارة “ترامب” الأخيرة للمنطقة فى منتصف شهر مايو ٢٠٢٥، بحجة التعامل مع الصين. والواقع يشير إلى رغبة واشنطن وتل أبيب فى إستمرار قيامهما بدور (الحامى) للإمارات من ضربات الحوثيين المدعومين من إيران بدلاً من تسليح الجيش الإماراتى وتدريبه وتدريب وتسليح حلفاء الإمارات فى المنطقة كمصر للدفاع عن أنفسهم بأنفسهم. وتلك هى اللعبة الأمريكية والإسرائيلية الدقيقة فى مواجهة الإمارات والجميع.