لا تقل: أين الله من غزة؟ بل قل: أين أنت؟

بقلم: ناصر السلاموني
حين تعود إلى منزلك بعد صلاة العيد ومعك زوجتك وأطفالك فرحين وعندما تأتى لهم بما يطلبون من طعام وشراب وملابس وأنتم فاكهين هل تذكرت نعم الله عليك عندما ترى أطفال غزة يُسحبون من تحت الأنقاض، مكللين بالدم والتراب، وحين تسمع أنين الأمهات، ووجع الشيوخ، وصراخ الجوع في بطون الرضع، قد تصرخ في أعماقك: “أين الله؟”
ولكن تمهّل، فهذا السؤال ليس لك أن تسأله. بل السؤال الذي ينبغي أن تواجه به ضميرك هو: “أين أنا؟”
أين أنت من دم الشهداء؟
أين أنت من نداء الأقصى؟
أين أنت من قلوب أُحرقت ولم تجد فيك ناصراً ولا نصيراً؟
أين كانت نصرتك حين تساقطت الصواريخ على الأجساد؟
أين كانت غيرتك حين انتهكت الحرمات؟
وأين كان موقفك حين أغلقت المعابر، وشحّ الدواء، وانقطعت الكهرباء، وسُدّ الخبز؟
الله تعالى ما غاب عن غزة، حاشاه سبحانه.
بل نحن الذين غبنا، ونحن الذين تخلّفنا، ونحن الذين خذلنا.
قال الله عزّ وجل:
﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7]
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ [الحج:40]
﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ [آل عمران:160]
لكن قل لي، هل نصرنا الله؟ هل نصرنا دينه؟ هل نصرنا إخواننا؟أليس قد قال نبيُّنا ﷺ: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه” [متفق عليه]
فكم مرة أسلمنا إخواننا لغدر العدو؟وكم مرة تخاذلنا عن النصرة؟ وكم دولة أغلقت أبوابها؟ وكم إعلام ضلّل؟
وكم زعيم صمت، بل وكم تآمر؟ لقد خذلهم بعضنا بالسكوت، وبعضنا بالتطبيع، وبعضنا بالخوف، وكثير منّا بالتبلّد والاعتياد! غزة اليوم لا تسأل عن الله، بل تكشف قلوب المؤمنين.غزة اليوم لا تشتكي من عدوان الصهاينة، فهي تعوّدت، بل تشتكي من خذلان المسلمين!
قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال:72]
لكن أين النصر؟ أين الجيوش؟ أين الزعامات؟ أين الكلمة؟ أين حتى الدعاء؟
هل نصرتهم بكلمة؟ بقلب؟ بأموال؟ بمقاطعة؟ بتوعية؟ بأي شيء؟
عن ابن عمر رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ:
“ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم” [رواه الطبراني]
فكيف بإخواننا في غزة، ليسوا جوعى فقط، بل يُذبحون، ونحن نعلم، ونشاهد، ولا نحرك ساكنًا؟
أليست غزة امتحانًا للأمة؟
قال تعالى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ…﴾ [البقرة:155]
وغزة اليوم تعيش كل هذه الابتلاءات.
فهل وعيت أن الله لا يخذل المؤمنين؟
بل يكرمهم بالشهادة، يرفعهم بالمصاب، يصطفيهم بالدم، ويبعثهم أحياءً عنده.
قال تعالى: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:169]
وقال ﷺ:”للشهيد عند الله ستّ خصال…” [رواه الترمذي]
غزة تُصفّي دم الأمة، وتكشف الخائن من الصادق، المتخاذل من المجاهد، الغارق في الترف من الواقف في الصف.
فاسأل نفسك:
هل دعوت؟
هل بكيت؟
هل تألمت؟
هل تحركت؟
أم أنك عدت إلى نومك بعد النشرة، وعدت إلى طعامك بعد صورة الطفل الجائع، وعدت إلى حياتك بعد رؤية الأشلاء؟
قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“لو عثرت بغلة في العراق، لخشيت أن يسألني الله عنها: لمَ لمْ تمهد لها الطريق؟”فكيف بمن يُذبحون؟ يُحاصرون؟ يُشرَّدون؟!
لا تقل بعد اليوم: “أين الله من غزة؟”
بل قل: “أين أنا من الله؟ وأين أنا من غزة؟”
فالله لا يُسأل عما يفعل، ونحن نُسأل.
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ [الصافات:24]
في زمن الانكشاف، زمن التجرد، زمن الاختبار، لم يبقَ إلا الصادقون.فكن منهم… أو فاستعد للسؤال يوم العرض الأكبر.
اللهم إنا نشهدك أننا نحب أهل غزة، وأننا نخجل من تقصيرنا.
اللهم انصرهم نصراً عزيزاً مؤزّراً، وارزقنا شرف النصرة بصدق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى