مأمون الشناوي يكتب: مَن الذي علمنا الغشّ !!

لقد عايشت وشهدت كل أنواع وأشكال الغشّ في الامتحانات علي مدار عمري !!.
منذ عزومة الملاحظين والمراقبين ، عند واحد من كبار الأعيان في قريتنا ، لكيّ يتولوا هُم حَل الامتحان نيابة عن التلاميذ مُقابل تلك العزومة ، وحتي الغشّ بالموبابل وتسريب الشاومينج والتليجرام ، والجروب الذي يشرح للتلاميذ كيفية الدخول إلى الموقع للحصول علي الإجابات النموذجية ، والأعجب هو كَمّْ التلاميذ المشتركين في هذا الجروب والبالغ عددهم مائتين وخمسين ألفاً ، والأشد عجباً هو شُكر أولياء الأمور للقائمين علي هذا الجروب ، ودعواتهم لهم بالتوفيق جزاء مايفعلون ومايقدمونه من خدمات جليلة لأبنائهم !!.
مروراً بالغشّ الجماعي عن طريق الكتابة علي السبورة ، أو [ مطبعة الحاج عبده ] التي كانت تقوم بطبع الإجابات وختمها بختم المطبعة ، بعد حلّ الامتحان بمعرفة مدرسين متخصصين في المواد ، ثم إرسالها عبر ( مندوب خاص ) إلى لجان الامتحانات ، وتوزيغها علي الطلاب مع ورقة الأسئلة !!.
لكن أظرف ماعايشت من أشكال الغشّ كان في ( الحسينية شرقية ) مُنتصف ثمانينيات القرن الماضي ، وكان يتم عبر ميكرفون يدور حول لجنة الامتحان يذيع ( نعيّاً لمتوفي ) ، فينادي : [ توفي إلى رحمة الله تعالى : السؤال الأول ] ثم يُملي علي الطُلاب الإجابة ، ويُكمل : [ نسيب وقريب كلٍ من : ( أ ) و ( ب) ] ، ويُملي الإجابة ، وهكذا ، في هذا العام ألغي الدكتور { فتحي سرور } – وكان وزير التربية والتعليم وقتها – كل نتائج الشهادات العامة في الحسينية !!.
مَن الذي علمنا الغشّ !!.
ومنذ متي بدأ هذا الفساد ، الذي نخر مثل السوس في نخاع المجتمع المصري ، فأخرج لنا المهندس الذي تنهار علي يديه العمارات والكباري ، والطبيب تاجر الأعضاء البشرية ، والصيدلي تاجر المخدرات ، والمحاسب المُزوّر ، والمُعلم المُخادع والنصاب !!.
نحن لم نعرف الغشّ في زماننا أبداً ، وسار كل منا في مساره الطبيعي وفق قدراته وتحصيله ، فمِنا مَن دخل الجامعة ، ومِنا مَن توقف عند التعليم المتوسط ، ومِنا من لم يُكمل تعليمه وخرج فصار فلاحاً ناجحاً أو نجاراً أو حلاقاً أو كهربائياً ، ولم يشعر أحد فينا بالظلم لأنه يعرف قدراته ، ولم يشعر أحد فينا أنه أخذ مكان الآخر ، ولذا عندما نلتقي نتعامل بحب ومودة واحترام مُتبادل ، وإقرار بالواقع المُستحق ، وأنا شخصيّاً أعتز بكل زملائي وأحبهم حباً جماً ، علي اختلاف مهنهم ومكانتهم ، يتساوي عندي أستاذ الجامعة مع الترزي وميكانيكي السيارات والدوكو والمزارع البسيط !!.
ومازال السؤال يروادني ويُحيّرني :
مَن الذي علمنا الغشّ ، ومنذ متي تعلمنا ذلك ، وإلي متي سيبقي هو الطريق الأسهل والمضمون للوصول والنجاح واعتلاء المناصب والترقي ، وحتي كرسي البرلمان ، ومتي ينتهي من حياتنا ، وكيف !!.
* مأمون الشناوي *