أحمد الشرع: من أمير جماعة إلى وكيل لتدمير بلده

بقلم: ناصر السلاموني
بعد تناولي للخطر المحدق بالأمة العربية في عدة مقالات – حول الدروز، والحوثيين، وليبيا، والسودان، وفلسطين – نكشف الآن النقاب عن أخطر حلقات المؤامرة التي تُحاك للمنطقة، من خلال شخصية تحوّلت من متطرف مغمور إلى “زعيم مقبول دوليًا”، في مسار يفضح كيف تُصنع الزعامات الوظيفية لتدمير الأوطان.
نحن أمام تجربة تكرّرت في أكثر من بلد عربي، لكن النموذج السوري مع أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ”الجولاني”، يُعد الأكثر وضوحًا وخطورة.
من هو أحمد الشرع (الجولاني)؟
ولد في دير الزور ونشأ في بيئة مغلقة، وتدرج في صفوف الجماعات المتطرفة، حتى تولى قيادة “جبهة النصرة”، الذراع السوري لتنظيم القاعدة. اسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، وارتبط اسمه في البداية بالخطاب الجهادي المتشدد، ثم صار لاحقًا مثالًا لتغيير الجلد السياسي.
لكن تحوّله لم يكن وليد توبة فكرية أو تطور وطني، بل كان نتاج هندسة استخبارية دقيقة، تديرها قوى دولية وإقليمية، أبرزها: إسرائيل، أمريكا، وتركيا.
من القاعدة إلى “تحرير الشام”: الغسيل السياسي
تمت إعادة تدوير الجولاني سياسيًا تحت لافتة جديدة: “هيئة تحرير الشام”، حيث بدأ مرحلة “الغسيل السياسي”، بتلميع صورته دوليًا، وتقديمه كزعيم “وطني بديل”.
التقى بعدة وفود غربية، وصافح زعماء، وتُوِّج هذا التلميع بلقائه الشهير مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 14 مايو 2025 – في مشهد يُلخّص حجم التحوّل الذي أُعِد له بعناية. لم يكن هذا الانتقال من التشدد إلى الاعتدال، بل من السلاح العقائدي إلى الوكالة الوظيفية، وهو ما انعكس في خطاباته الجديدة وأفعاله الميدانية.
التحالفات والصفقات: من يقف خلف الشرع؟
تقارير استخبارية عديدة أكدت أن صعود الشرع لم يكن تلقائيًا، بل تم برعاية متكاملة:
تركيا: وفرت له الملاذ والمعابر والدعم السياسي.
الولايات المتحدة: استخدمته كأداة ضد داعش والنظام.
إسرائيل: أبقته خارج قائمة الأعداء، طالما لا يهدد أمنها.
روسيا: تم تجاهل وجودها العسكري كجزء من التفاهمات.
سيطرة الشرع في الداخل: قمع وتفكيك وتسلّط
فرض سلطته في مناطق شمال سوريا عبر جهاز أمني صارم، وقام بـ:
تصفية القيادات الثورية غير الموالية.
تفكيك البنى العسكرية المعارضة.
التحكم في الإعلام والتعليم.
إدارة الاقتصاد بعقلية الإتاوة والسيطرة.
والنتيجة: انهيار في البنية التحتية، وغياب تام لحقوق الإنسان، وانتشار الفقر والتهجير.
تنازلات الشرع: خدمة لأعداء الأمة
لأمريكا: قواعد عسكرية دائمة. .ممرات استخباراتية.
صفقات استثمار في البنية التحتية.
لإسرائيل:صمت عن الغارات الجوية. وتسهيلات لوجستية ضمنية. وتجاهل تام لسرقة مياه الجولان.
لتركيا:ترك بعض المناطق الحدودية لها.مقابل دعم مالي وسياسي مستمر.
لروسيا:تجاهل قواعدها البحرية.وصمت عن تدخلها في المعادلة السورية.
لقاء ترامب: لحظة التحوّل العلني
لقاء الشرع بالرئيس ترامب لم يكن مجرد حدث سياسي، بل إعلان دخول سوريا في مشروع تقسيم جديد، فقد تم الاتفاق على:
فتح الشمال السوري للاستثمارات الأمريكية والإسرائيلية.
تعديل المناهج لتقبّل فكرة “التطبيع” وإلغاء ذكر حرب أكتوبر.
ضمان أمن المصالح الغربية.
تجاهل قضية الجولان وحقوق اللاجئين.
خريطة النفوذ الجديدة: سوريا الممزقة
بفضل هذه التفاهمات، أصبحت سوريا مقسّمة كالتالي:
الشمال الغربي: تحت سيطرة الشرع، بدعم تركي.
الشمال الشرقي: تحت القوات الكردية، بدعم أمريكي.
الساحل والوسط: تحت النفوذ الروسي.
دمشق والجنوب: في يد النظام السوري.
الجولان: بيد إسرائيل بلا مقاومة.
هندسة القيادة الوظيفية: النموذج القادم
تجربة أحمد الشرع تعكس ما تسميه مراكز الأبحاث الغربية بـ”هندسة القيادة الوظيفية”، حيث يتم خلق زعامات محلية هجينة، تبدأ متشددة، ثم تُعاد صياغتها كـ”بدائل معتدلة”، لكنها تعمل لتنفيذ الأجندات الغربية، لا لنهضة شعوبها.
الشرع والممر التجاري الكبير
يتكامل دور الشرع مع مشروع “الممر التجاري الهندي–الخليجي–الإسرائيلي–الأوروبي”، الذي لا يتحقق إلا بوجود شرق أوسط: بلا جيوش قوية. بلا دول مركزية.بل مليء بقادة وظيفيين، يُغلقون الأفواه ويفتحون الحدود.
قضية اللاجئين: الغائب الأكبر
رغم وجود أكثر من 13 مليون سوري بين لاجئ ونازح، لم يطرح الشرع قضية إعادتهم.
بل ساهمت سياساته القمعية في استمرار التهجير، دون أي حديث عن الكرامة أو العودة أو الحل الشامل.
هذا الغياب لم يكن صدفة، بل جزء من وظيفته.
خاتمة:إن أحمد الشرع ليس مشروعًا وطنيًا، بل منتج استخباراتي متعدد الجنسيات.
تحوّله ليس تطورًا بل دليل على اختراق القرار السوري.
وتصالحه مع أعداء سوريا يقابله تفريط كامل في حقوقها، ووحدة أراضيها، وكرامة شعبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى