دينا كرم الدين تكتب: توقيع المواطن أقوى من ألف ختم

المواطن هو الأصل.. المواطن ليس رقمًا في تعداد.. ولا صوتاً في صندوق.. ولا صفحة في تقرير.. بل هو الجوهر.. هو المبتدأ والخبر.. هو صاحب الدار وليس الزائر المؤقت لها.. أي مشروع لا يُقاس نجاحه إلا بمقدار ما يضيف لراحة المواطن.. أي منصب لا يوزن إلا بميزان ما يقدمه للمواطن.. أي قرار لا يعتد به إن لم يرفع كاهل الهم عن المواطن.. لا تقل أنا أخدم جهة.. ولا تنسب الولاء إلى أفراد..
فالولاء الحقيقي أن ترفع رأس من ينتظر عند طابور العيش.. أن تخفف على من يسير ثلاث محطات مشيًا ليصل عمله.. أن تنصت لصوت الأرملة في المستشفى.. أن ترى الكرامة وجهًا قبل أن تراها شعارًا..المواطن ليس متسولاً حقوقه. بل هو المالك الأول لكل ما يُبنى ويقال ويوقع عليه . لأن هذا الوطن يدار من عيون أهله..والمواطن هو الجاذبية الأرضية لأي دولة
فالدول لا تقوم على الهياكل.بل على الأرواح. لا تُقاس بالأبراج بل بالابتسامة على وجه مواطن بسيط يشعر أن بلده تحبه كما يحبها. لا تقل المواطن سئ.. بل اسأل نفسك: هل جاع؟ هل ظلم؟ هل خذل؟.لا أحد يولد غاضبًا لكن التجاهل يصنع منه بركانا.
الولاء ليس لمن منحك وظيفة.بل لمن يستحقها. النجاح ليس فيما كسبت. بل فيما قدّمت. والوطنية ليست شعارًا.. بل فعلًا.. من أراد أن يقود فليخدم.. ومن أراد أن يُحترم فليحسن.. ومن أراد أن يخلد فليكن ابناً لهذه الأرض لا سيدًا عليها.
المواطن هو من يقيّمك. هو من يرفعك إن أحبك. وهو من يسقطك إن خذلته.. وإن أردت أن تعرف مكانك الحقيقي في خارطة هذا الوطن فلا تذهب إلى المكتب. اذهب إلى السوق.. انظر في عيون الناس. واقرأ نفسك في وجوههم. فهم المرآة. وهم الحقيقة. وهم وحدهم الوطن.
لقمة العيش ليست ترفًا. بل اختبار يومي للعدالة والكرامة والإنصاف.حين يقف المواطن في مواجهة الأسعار والمنافسة واحتكار الفرص. لا تطالبه بالصبر فقط.. بل طالِب من يملك القرار أن يرحم. أن يعدل.. أن ينصف. فليس من الإنصاف أن يسحق التاجر الصغير تحت عجلات الكبار. ولا أن تكسر مجاديف من حاول أن يبدأ. ولا أن يحرم من الأمل من قرر أن يشتغل بدل أن يشتكي.
المنافسة ليست قتلًا. وليست ساحات حرب.بل مساحات تفتح للجميع. فيها الكبير له مكانه.. والصغير له حقه.. ومن يعمل بشرف يجب أن يصان.
لكل مواطن حق في بلده.للتاجر حق في بيع شريف.. وللموظف حق في أجر عادل.. وللعاطل حق في فرصة.. لمن ينتج أن يقدر.. ولمن يعجز أن يصان. البلاد لا تنهض إلا على أكتاف من لا ينامون .فالإدارة ليست فوق المواطن.ولا الاقتصاد يعلو عليه.ولا القانون ينفصل عنه.. كلنا نُدار داخل دائرة واحدة.. أن نعيش لنُعين.. وأن نشتغل لنبني معًا.. لا لنكبر وحدنا..
البلاد لا تنهض بالمؤسسات وحدها.. بل بالناس.ولا تزداد قُدسية القرارات إن لم يكن للمواطن فيها نصيب. والمكان لا يُحركنا. بل نحن من نحركه. لا بقوتنا فقط.. بل بعدلنا.. ولا بصوتنا فقط.. بل بضميرنا.. من يُعطي كل ذي حقٍ حقه لا يخشى شيئًا.
ومن يبني وطنًا يخدم فيه الجميع لن يُهدّمه أحد. هذه ليست مقالة.. بل شهادة.. المواطن هو صاحب الأرض.. وسيد القرار.. وباني الغد.. هو الهدف.. وهو الغاية.. هو البداية.. وهو النهاية
حين يُصبح المواطن هو الغاية لا الوسيلة.. تنهض الأوطان من تحت الركام وتولد من جديد دون أن تحتاج إلى ثورة ..
فقط تحتاج إلى وعي يشبه الوطن لا يشبه الطامعين فيه.