دور الصين فى إنجاح القمة المشتركة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان” ومجلس التعاون الخليجى فى ماليزيا ٢٠٢٥

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
بصفتى خبيرة مصرية معروفة دولياً فى السياسة الصينية، طلبت مني وكالة الأنباء الوطنية الماليزية الرسمية “برناما” إجراء مقابلة معي بالتزامن مع إنعقاد القمة السادسة والأربعين لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في كوالالمبور، والقمة المشتركة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا ومجلس التعاون الخليجي في ماليزيا ٢٠٢٥. لذا، قررتُ تحليل هذا الأمر آخذاً فى الإعتبار: “يبدو أن العلاقة بين الصين ومجلس التعاون الخليجى ورابطة دول جنوب شرق آسيا ستبقى رهينة التوازن الدقيق بين الإقتصاد والسياسة، وبين المصالح المشتركة والخلافات العميقة بين واشنطن وبكين، ودور كل طرف فى إستقطاب دول مجلس التعاون الخليجى إلى جانبه”. ومع ذلك، فمن وجهة نظرى التحليلية، من المرجح أن تتجه هذه العلاقة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين والولايات المتحدة ودول الخليج نحو تحسين العلاقات مع الصين، كقوة صاعدة وجارة، فى ظل سياسة الإنسحاب التي ينتهجها الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب”، وسياساته الإقتصادية العدوانية، ورسومه الجمركية على الصين والعالم أجمع. وتسعى الصين، على وجه الخصوص، إلى تعزيز إستثماراتها مع دول الآسيان والحفاظ على علاقات جيدة دون الوصول إلى مرحلة المواجهة. وفى أبريل ٢٠٢٣، أعربت الصين عن إستعدادها لتسريع المشاورات مع دول الآسيان بشأن مدونة قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبى، بهدف الحد من إحتمالية إندلاع صراعات بحرية فى المنطقة بدعم وقيادة الولايات المتحدة.
وشهدت العقود القليلة الماضية تحولاً ملحوظاً فى طبيعة العلاقات بين الصين وجيرانها، وخاصةً دول الآسيان، التى تحولت إلى قوة اقتصادية متنامية. ويحتل اقتصادها المرتبة السابعة عالمياً، ويضم ١٠ دول، هى: (إندونيسيا، تايلاند، فيتنام، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، ميانمار، كمبوديا، لاوس، وبروناي). بعض الدول، مثل (كمبوديا ولاوس)، تبدو أقرب إلى بكين، وتُتهم أحياناً بـ “التحدث باسم الصين” داخل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). من ناحية أخرى، تدعم الولايات المتحدة جهود حلفائها فى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في مواجهة المطالب الصينية، حيث تُجرى واشنطن دوريات بحرية مشتركة مع الفلبين، وتُقدم مساعدات عسكرية وتكنولوجية لدول مثل فيتنام وإندونيسيا.
بالإضافة إلى ذلك، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري والدبلوماسي مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، لا سيما من خلال (إتفاقيات دفاعية مع الفلبين وتايلاند)، وتعاونها الوثيق مع (سنغافورة وفيتنام). ترى الصين فى ذلك تهديداً مباشراً لأمنها الإقليمى، متهمةً واشنطن بإثارة “صراعات بحرية” وتشجيع الدول على تحدى المطالبات الصينية فى بحر الصين الجنوبى. وفى عام ٢٠٢٠، صرّح وزير الخارجية الصيني “وانغ يى” بأنّ “الولايات المتحدة أصبحت أكبر مُحرّك للعسكرة فى بحر الصين الجنوبى” و”العامل الأخطر فى المنطقة”. وفى مارس ٢٠٢٣، حذّرت الصين من “إستفزازات أمريكية” بعد دخول مدمرة أمريكية المياه الإقليمية (لجزر شيشا الصينية) دون إذن.
لذا، من المستحيل مناقشة العلاقة بين الصين وجيرانها الآسيويين، وبخاصةً دول الآسيان، والقمم المشتركة بين الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجى دون الأخذ فى الإعتبار السياسة الأمريكية ودورها فى المنطقة. فلا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بحضور قوى فى المنطقة الآسيوية من خلال عدد من حلفاء واشنطن فى الآسيان، ومن خلال قواعدها العسكرية وتحالفاتها الإستراتيجية ووجودها فى بحر الصين الجنوبى، وبخاصةً فى (الفلبين وتايلاند وسنغافورة)، وكذلك من خلال مشاريعها فى مجالات التكنولوجيا والطاقة. في أكتوبر ٢٠٢٤، قال وزير الخارجية الأمريكى السابق “أنتونى بلينكن” فى (قمة الآسيان ٢٠٢٤) إن: “الولايات المتحدة ستواصل دعم حرية الملاحة والتحليق فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ”.
وتلعب مبادرة الحزام والطريق، التى أعلن عنها الرئيس “شى جين بينغ” فى عام ٢٠١٣، دوراً محورياً في ترسيخ النفوذ الصينى فى منطقة الآسيان. من خلال مشاريع البنية التحتية، تسعى الصين إلى بناء شبكات لوجستية وتجارية تضمن مروراً آمناً ومستقراً لبضائعها إلى المحيط الهندى. وتُعد إتفاقية التجارة الحرة بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) من أقوى المحفزات لنمو التجارة بين الطرفين، إذ تُزيل العديد من القيود الجمركية وتُساهم فى تعزيز التعاون الإقتصادى عبر الحدود. وقد كان لصعود الصين أثر إيجابى على دول الآسيان، لا سيما من خلال نقل الإنتاج من الصين إلى هذه الدول. فقد زادت صادرات الصين إلى دول الآسيان بنحو ١٤.٢% فى عام ٢٠٢٥ مقارنةً بالعام السابق، وإستثمرت الشركات الصينية ما يقرب من ٢٤ مليار دولار فى قطاع التصنيع فى دول الآسيان، مع تركيز كبير على فيتنام وماليزيا.
تعمل واشنطن، إلى جانب حلفائها الغربيين، على تعزيز تحالفاتها من خلال دول الآسيان في جنوب شرق آسيا منذ سنوات فى مواجهة الصين. وتشمل هذه التحالفات “التحالف الرباعي الأمريكي”، الذى يضم (الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا)، وتحالف “أوكوس” الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة مع بريطانيا وأستراليا. بدأ التحالف بتسيير دوريات بحرية في المنطقة عام ٢٠١٥ تحت شعار “حماية حرية الملاحة” فى مواجهة الصين. وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعميق تعاونها الدبلوماسي والأمني والدفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والعمل على مواجهة تحديات القرن الحادى والعشرين، فى إشارة ضمنية إلى الصين. كما أطلقت واشنطن مبادرات بديلة لمبادرة الحزام والطريق، التى تُعتبر رمزاً للنفوذ الإقتصادى والسياسى الصيني. ومن أبرز هذه المبادرات “مبادرة الممر الإقتصادى” التى أعلن عنها الرئيس الأمريكى “جو بايدن” خلال (قمة مجموعة العشرين ٢٠٢٣ فى نيودلهي). تربط هذه المبادرة الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، وتشمل إستثمارات فى الشحن والسكك الحديدية، كما تربط الهند بأجزاء من أوروبا عبر (الهند، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأردن، وإسرائيل).
وفى هذا الصدد، تلعب الصين دوراً مهماً فى نجاح (قمة الآسيان-مجلس التعاون الخليجي في ماليزيا ٢٠٢٥)، بينما تستعد ماليزيا لتولى (رئاسة الآسيان لعام ٢٠٢٥) فى لحظة محورية، حيث تتقاطع التحولات الجيوسياسية والإقتصادية العالمية بطرق تؤثر على إستقرار المنطقة وتنميتها فيما يتعلق بالصين ومنافسيها في المنطقة والعالم. تقدم رئاسة الآسيان هذه، التي تشترك في رئاستها كوالالمبور ومجلس التعاون الخليجى بمشاركة الصين، فرصة ذهبية لماليزيا لتعزيز التعاون الإستراتيجى بين الآسيان ومجلس التعاون الخليجي والصين. وتأمل ماليزيا أن يساهم ذلك فى تشكيل نظام دولى أكثر توازناً وإستقلالية فى ظل التحديات العالمية المتزايدة. ويعزز إعلان رئيس الوزراء الماليزى “أنور إبراهيم”، بأن ماليزيا ستستضيف (قمة مشتركة تضم الآسيان ومجلس التعاون الخليجي والصين) أهمية هذه الخطوة، كإستراتيجية تهدف إلى تحقيق التعاون المتعدد الأطراف وتسليط الضوء على دور التعددية القطبية، لا سيما في المجالات الإقتصادية. لذلك، تعتزم ماليزيا، بصفتها المنسق الرئيسى بين دول مجلس التعاون الخليجى ورابطة دول جنوب شرق آسيا والصين، العمل بشكل أكثر ديناميكية لتعزيز العلاقات مع دول الخليج خلال رئاستها القادمة.
تستند رؤية كل من ماليزيا والصين لرئاسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) على (ثلاثة ركائز رئيسية)، وهي: السياسة والأمن، والاقتصاد، والجوانب الإجتماعية والثقافية. في المجال الأمني، تسعى ماليزيا والصين إلى تعزيز التعاون بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ودول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التهديدات المشتركة، مثل: الإرهاب والقرصنة. ومع استمرار تقدم رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) إقليميًا ودوليًا نحو أهدافها، تسعى ماليزيا والصين إلى تعزيز دورهما كمنصة للتعاون الاقتصادي والسياسي على المستويين الإقليمي والدولي، وكجسر للتعاون مع العالم الإسلامي على وجه الخصوص، مما يضعه في موقع يسمح له بمواجهة التحديات المتصاعدة. ويعتبر (قطاع السياحة الحلال بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ودول مجلس التعاون الخليجي برعاية ماليزيا) جسرًا بين الثقافات، حيث تُبذل جهود لتسهيل إجراءات التأشيرات وتوسيع الروابط الجوية لتعزيز حركة السياحة. ستعزز جميع هذه المبادرات دور رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) كوجهة سياحية جاذبة، وتساهم في توطيد الروابط الشعبية والثقافية بين الجانبين.
تدعم الصين ماليزيا فى القمة المقبلة مع دول الخليج عام ٢٠٢٥، لتسليط الضوء على مفهوم “مركزية آسيان” كمبدأ يدعم إستقلال دول الآسيان، ويعزز قدرتها على اتخاذ قراراتها بنفسها، بعيدًا عن تأثير القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة. ويتجلى هذا النهج في دعم الصين وماليزيا لسياسة الحياد، التي تعمل على تحقيق توازن دقيق فى منطقة مليئة بالتحديات الجيوسياسية. ولا يقتصر التعاون بين الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى المجالات الثقافية والسياحية، حيث تسعى الصين، بمساعدة ماليزيا، إلى جعل الآسيان وجهة مفضلة للسياح من دول الخليج.
تلعب الصين دوراً رئيسياً فى دعم التعاون الثلاثى بينها وبين الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي. تلعب الصين دوراً رئيسياً في تعزيز العلاقات بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومجلس التعاون الخليجي من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي دعمت مشاريع البنية التحتية الضخمة في جنوب شرق آسيا. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الصين بكثافة في قطاع الطاقة المتجددة في مجلس التعاون الخليجي، مما يعزز إمكانية إنشاء إطار تعاون ثلاثي يشمل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومجلس التعاون الخليجي والصين، مع التركيز على التنمية المستدامة. لذلك، يُعتقد أن هذا التعاون الثلاثي سيساهم في بناء نموذج إقليمى يساهم فى تحقيق النمو المستدام وتعزيز الإستقرار الإقليمى. وفى نوفمبر ٢٠٢٢، أعلنت الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بشكل مشترك عن الإطلاق الرسمي للمفاوضات بشأن (اتفاقية التجارة الحرة بين الصين والآسيان). ستغطي هذه الاتفاقية المجالات التالية: تجارة السلع، والاستثمار، والإقتصاد الرقمى، والإقتصاد الأخضر.
ومع تزايد الحديث الغربى عن مواجهة صعود الصين، لا سيما في بحر الصين الجنوبي، تتشكل ملامح صراع معقد وناعم بين القوى الكبرى في المنطقة. ومع اشتداد الصراع الدولي على النفوذ، أصبحت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ساحة معركة للتحالفات العسكرية والإقتصادية. وفى حين تُروّج بكين لنفسها على أنها “الشريك الاقتصادي التنموى للآسيان”، تنظر واشنطن إلى الوجود الصينى على أنه تهديد لمكانة آسيان العالمية وسيطرتها على المنطقة. فى غضون ذلك، تحاول دول آسيان تحقيق توازن بين الجانبين.
تدعم الصين توجه آسيان نحو تعزيز علاقاتها فى ظل تنامى علاقاتها مع دول العالم، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجى. تحتل الصين، من خلال آسيان، مكانة مهمة على الساحة الدولية، مما يجعلها هدفًا تسعى إليه القوى الكبرى إما لكسب ودها أو على الأقل للحفاظ على حيادها. وفقًا للبنك الدولي، بلغ الناتج الإقتصادى المُجمّع لدول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) أكثر من ٣ تريليونات دولار، مما يجعلها ثالث أكبر إقتصاد فى آسيا وخامس أكبر إقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا. وتشجع الصين دول الآسيان على الحفاظ على إتفاقيات الشراكة التنموية والإقتصادية أو الحوارية مع أكثر من ١٠٠ دولة، أبرزها: كوريا الجنوبية واليابان وكندا والولايات المتحدة والهند. ووفقاً لتقارير عديدة صادرة عن مؤسسات إقتصادية دولية، تُصنّف الآسيان والصين من بين أسرع المناطق الاقتصادية نمواً عالمياً وإقليمياً. هناك إرادة سياسية داخل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومجلس التعاون الخليجى برعاية الصين لإنشاء آليات مؤسسية طويلة الأجل، مثل: (صندوق تنمية الآسيان ومجلس التعاون الخليجي ومجلس ابتكار الحلال)، والتى يمكنها دعم التعاون خارج نطاق العلاقات الثنائية بين جميع الأطراف.
كما إستكشفت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) عدداً من هياكل وأدوات التمويل البديلة بتوجيه من الصين، بما في ذلك: (التمويل الإسلامي لتمويل شبكة الطاقة الخاصة بها، ووضع معايير عالمية للحوكمة الأخلاقية والتنمية) لتعزيز الشراكات مع المجتمعات المحافظة في دول مجلس التعاون الخليجي وجميع الدول العربية والإسلامية والخليجية. هناك إتجاه حالى بين دول الآسيان، بقيادة الصين وماليزيا، ودول مجلس التعاون الخليجى لإجراء المزيد من البحوث حول الآثار الإحصائية للتمويل الإسلامى فى الحسابات القومية، وقضايا التمويل والإستثمار، وغيرها من الموضوعات. هناك أيضًا اتفاق على الحاجة إلى وضع إرشادات عملية حول كيفية معالجة معاملات التمويل الإسلامي بين الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي. ولتحقيق هذه الغاية، قد يتم التوصل إلى اتفاق في الفترة المقبلة لإنشاء مجموعة عمل معنية بالتمويل الإسلامي لمعالجة وفهم آثاره الكاملة. يكمن سرّ مجموعة الآسيان، واختيار ماليزيا تحديداً لإستضافة قمة الخليج والآسيان لعام ٢٠٢٥، والدعم الصينى اللا محدود، فى تركيزها على الأهداف الإقتصادية التى تتجاوز الأيديولوجية، وعدم التدخل فى السياسة الداخلية للدول، والتركيز على التنمية والإستثمارات المشتركة للجميع. يتطلب النظام متعدد الأقطاب الناشئ من القوى المتوسطة، مثل دول الخليج والآسيان، التكاتف والإنخراط فى حوار مشترك لدعم العلاقات متعددة الأطراف، لا سيما السياسية منها.
يعكس إنعقاد قمة الخليج ٢٠٢٥ مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) في ماليزيا بمساعدة الصين، تقدير دول الخليج المشاركة لمكانة كوالالمبور الإقليمية والدولية مع الصين، والتزامها بإقامة شراكة استراتيجية مستقبلية طموحة بين الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجى، من خلال إطار التعاون المشترك للسنوات الخمس المقبلة وقرارات ومبادرات القمة. وتكمن أهمية إنعقاد القمة الخليجية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في ماليزيا بحضور الصين، في كونها القمة الأهم على مستوى رؤساء الدول، وتعكس إنفتاح دول مجلس التعاون الخليجى على الشراكات مع الكتل المؤثرة في المجتمع الدولى، وأبرزها رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بقيادة الصين وماليزيا، بهدف تعزيز مكانة مجلس التعاون الخليجى على الساحة الدولية. وتهدف (قمة الآسيان ومجلس التعاون الخليجي ٢٠٢٥) إلى إعتماد (إطار التعاون المشترك للسنوات الخمس المقبلة (٢٠٢٤-٢٠٢٨)، والذى يشمل التعاون السياسى والأمنى، والتعاون الإقتصادى والإستثمارى، بالإضافة إلى التعاون فى مجالات السياحة والطاقة والأمن الغذائى والزراعى، والتعاون الإجتماعى والثقافى بين الصين وجميع أعضاء الآسيان ومجلس التعاون الخليجى.
تدفع الصين رابطة الآسيان بإنتظام نحو إشراك دول أخرى فى (منطقة آسيا والمحيط الهادئ) وخارجها كشركاء رئيسيين (للأمم المتحدة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وتحالف المحيط الهادئ، ومجلس التعاون الخليجي، والسوق المشتركة الجنوبية، وجماعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي). تحافظ الصين من خلال الآسيان على شبكة عالمية من التحالفات وشركاء الحوار، ويعتبرها الكثيرون قوة عالمية، ومركزًا للوحدة والتعاون فى (آسيا والمحيط الهادئ) بقيادة الصين، ومنظمة بارزة ومؤثرة. تشارك الصين من خلال الآسيان فى العديد من الشؤون الدولية وتستضيف بعثات دبلوماسية حول العالم. كان نجاح المنظمة هو القوة الدافعة وراء إنشاء بعض أكبر التكتلات التجارية فى التاريخ، مثل: منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، والشراكة الإقتصادية الإقليمية الشاملة).
يجب أن نضع فى إعتبارنا أن العديد من الدول حول العالم تتحول من العولمة إلى بناء مفهوم “التكتلات الإقليمية والإقتصادية” لتعزيز قدراتها داخل الكتلة من خلال استغلال مواردها وزيادة الإستثمار والتبادل التجارى وتوطين التكنولوجيا والصناعة. وتُعد فكرة رابطة دول الآسيان حافزاً لتعزيز التجارة والإستثمار بين دول مجلس التعاون الخليجة، مما يفعل أهمية العمل المشترك بين الطرفين مع الصين لإستكشاف وإستغلال الإمكانات الإقتصادية المتاحة، وخاصةً فى ماليزيا وشركائها فى آسيا الوسطى، أعضاء الآسيان.
وبالنسبة لأهمية دول الآسيان لدول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط بشكل عام في ظل دعم الصين، نجد أن كتلة الآسيان هى واحدة من أكبر الشركاء التجاريين في العالم، حيث يتجاوز حجم تجارتها الخارجية ٤ تريليونات دولار في عام ٢٠٢٤، وهو ما يمثل ٨% من التجارة العالمية في السلع والخدمات، بينما تُمثل تجارتها البينية ٤٨% من قيمة تجارتها الخارجية. وهذا يعكس ترابط دول الآسيان وحرصها مع الصين على فتح أسواقها المحلية أمام صادراتها البينية. لذا، يُعد فتح أسواق جديدة لها داخل دول مجلس التعاون الخليجي نموذجاً جيداً للتعاون الفعال بين الطرفين.
تتسابق دول مجلس التعاون الخليجى للإستثمار فى دول الآسيان، بما في ذلك الصين. دخلت مؤسسة البترول الكويتية قطاع الطاقة فى جنوب شرق آسيا من خلال مشروع مصفاة نفط مشترك فى فيتنام وشراكة مع شركة برتامينا الإندونيسية لتطوير مجمع مصفاة نفط في جاوة الشرقية بإندونيسيا. أعلنت أرامكو السعودية عن إستثمار بقيمة ٧ مليارات دولار مع شركة بتروناس للبتروكيماويات في ماليزيا عام ٢٠١٧، وهو أكبر إستثمار للشركة السعودية خارج المملكة. في غضون ذلك، تسعى رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) مع الصين إلى زيادة وارداتها من دول مجلس التعاون الخليجي، والتي لم تُمثل سوى ٦% من الإجمالى بين عامى ٢٠١٦ و ٢٠٢٠. ووفقًا لتقرير عام ٢٠٢١، وفقاً للتقرير الإقتصادى، شكلت الإلكترونيات ٢٨% من واردات دول مجلس التعاون الخليجى من الرابطة، تلتها الآلات بنسبة ١٢%
نظرًا للموارد البشرية والفرص التجارية والمشاريع الإستثمارية الواعدة التى تمتلكها دول مجموعة الآسيان والصين ومجلس التعاون الخليجى، فإن دول الخليج حريصة على الإستفادة من هذه الفرص، مؤكدةً إلتزام الطرفين بالتعاون الدولى المشترك لتحقيق أهداف شعوبهما. كما تُحدد (خطة العمل المشتركة بين مجلس التعاون الخليجي ودول الآسيان للفترة ٢٠٢٤-٢٠٢٨) خارطة طريق واضحة لجهود الجانبين لتعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح الجميع.
عقدت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) قمتها الأولى مع دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض عام ٢٠٢٣. وكانت هذه القمة الأولى من نوعها مع مجلس التعاون الخليجي، بمشاركة قادة من ١٦ دولة خليجية وآسيوية. وعكست هذه القمة إنفتاح رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) برعاية صينية على الشراكات مع الكتل المؤثرة في المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس التعاون الخليجى، بهدف تعزيز مكانتها العالمية كقوة اقتصادية جديدة. وخلال قمة الرياض ٢٠٢٣، رحب قادة الخليج بانضمام جميع دول مجلس التعاون الخليجي إلى (معاهدة الصداقة والتعاون بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”)، بناءً على المصالح المشتركة والروابط التاريخية العميقة بين الجانبين.
ومن المتوقع أن يتبادل قادة الدول المشاركة خلال (قمة التعاون بين الآسيان ومجلس التعاون الخليجي ٢٠٢٥) وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الإهتمام المشترك، وفى مقدمتها قضية غزة، وأن يصدروا بياناً مشتركاً بشأنها يحظى بدعم الصين. سيناقشون أيضاً سبل تعزيز وتطوير الشراكة للاستفادة من فرص النمو المتاحة من خلال التعاون بين المناطق الديناميكية في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين والخليج العربى، وفقاً للرؤى المشتركة لمستقبل هذه الشراكة والقيم المتجسدة فى ميثاق الأمم المتحدة.
تُعدّ دول الخليج مصدراً آمناً وموثوقاً للطاقة لكل من الصين وكتلة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وذلك بفضل تنوع مصادرها، وفي الحفاظ على الأسعار من أجل استقرار أسواق الطاقة العالمية. وهى تسعى جاهدةً لتحقيق متطلبات الإستدامة، وتقنيات الطاقة النظيفة منخفضة الكربون، وسلاسل التوريد. كما تطمح دول مجلس التعاون الخليجى إلى تعظيم المنفعة المشتركة للموارد اللوجستية والبنية التحتية، وتعزيز التعاون فى الأنشطة السياحية والثقافية للتواصل بين الشعوب، وإقامة شراكات متنوعة بين القطاعين العام والخاص مع الصين ودول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وبالتالي تحقيق رؤى طموحة لمستقبل أفضل من الرخاء والنمو والتقدم.
على مدار الأشهر والسنوات الماضية، لعبت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) دوراً فى تهدئة التوترات بين الإقتصادات الكبرى (الصين والولايات المتحدة الأمريكية). وسعت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) إلى نزع فتيل النزاعات الإقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. التقى وزير الخارجية الأمريكى السابق “أنتونى بلينكن” وكبير الدبلوماسيين الصينيين “وانغ يى” على هامش إجتماعات رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في يوليو ٢٠٢٣. وفي ١٤ يوليو ٢٠٢٣، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان أن الاجتماع بين “بلينكن ووانغ يى” تضمن مناقشات صريحة وبناءة حول مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية، بما فى ذلك نقاط الخلاف ومجالات التعاون المحتملة. في ذلك الوقت، أكد وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” على أهمية الحفاظ على السلام والإستقرار عبر مضيق تايوان.
تُصنّف الصين، من خلال رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، من بين أسرع المناطق الاقتصادية نمواً فى العالم، وتتمتع بكثافة سكانية عالية. يبلغ إجمالي عدد سكان دول الآسيان العشر ٦٠٠ مليون نسمة، ويُقدّر إجمالى الناتج المحلى لدول الآسيان بأكثر من ٣ تريليونات دولار أمريكى، وهو ما يمثل ٩.١٣% من الناتج المحلي الإجمالى لآسيا. تتوقع التقديرات الإقتصادية نموًا بنسبة ٤.٦٤% بحلول عام ٢٠٢٥، مما يُظهر الأهمية المحورية لدول الآسيان في الإقتصاد العالمى. وقد أدى ذلك إلى أن تمثل الآسيان ٧% من إجمالي تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر العالمية، و ٣٤% من تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر إلى آسيا. ومن المتوقع أيضاً أن تُصبح الآسيان واحدة من أسرع مراكز البيانات نمواً فى العالم خلال السنوات الخمس المُقبلة، مُتجاوزة أمريكا الشمالية ودول حوض المحيط الهادئ.
يُعد التعاون بين الصين ومجلس التعاون الخليجى ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) أمراً ضرورياً لتعظيم فوائد تنميتها في مُختلف المجالات (الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية). تعتمد كلاً من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين على واردات الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجى، مما يدل على استغلال مواردها في قطاعات اقتصادية متعددة، منها (الصناعة، والتجارة، والكهرباء، وأمن الطاقة). ويجب زيادة الاستثمارات الأجنبية المشتركة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي ودول الآسيان، والإستفادة من نقل التكنولوجيا وتوطينها، وبناء إقتصاد لا يعتمد على الطاقة فقط. ويمثل حجم التجارة بين الصين ودول الآسيان ودول الخليج ١٠% من التجارة العالمية لدول مجلس التعاون الخليجي، بينما تشكل صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى دول الآسيان ما يقارب ٩% من إجمالى صادراتها. علاوة على ذلك، تشكل صادرات دول الخليج من المنتجات النفطية ٧٣% من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي السلعية إلى الصين ودول الآسيان، لذا فإن التعاون بين الجانبين أمر أساسى.
ومن وجهة نظرى التحليلية، سارت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) برعاية الصين على خطى الاتحاد الأوروبى بقرارها بناء مجتمع الآسيان، الذي يتكون من (ثلاثة ركائز)، وهى: (مجتمع الآسيان الأمني، ومجتمع الآسيان الاقتصادي، ومجتمع الآسيان الاجتماعي والثقافي). تتمتع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين بإقتصادات قوية ومتينة تُمكّنها من لعب دور محورى فى المشهد الإقتصادى العالمى. وهذا يجعل التعاون الاقتصادي والتجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الشرق الأوسط مع رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين مثمراً وناجحاً لجميع الأطراف المعنية.