مستشار أمن قومي: الاستعمار الاقتصادي احتلال بلا جيوش

كشف المستشار الدكتور طارق منصور، خبير استراتيجيات الحرب والأمن القومي، عن استراتيجية الغرب في نهب ثروات الشعوب واستعمارها اقتصادياً عبر وكلاء محليين. وأوضح أن هذه الاستراتيجية تعتمد على مبدأ “سنجعلهم يسرقون أموال شعوبهم ليودعوها في بنوكنا، ثم نعيد إقراض شعوبهم من أموالهم، ولكن هذه المرة عبر قروض مشروطة بفوائد عالية، تحت ذريعة مساعدات التنمية أو إعادة الإعمار”. وهكذا يجد الشعب نفسه ضحية مزدوجة: يُنهب، ثم يُجبر على دفع فوائد لما سُرق منه أساساً. ولا يتطلب الأمر سوى وكلاء محليين من جنودهم وقتلة اقتصاديين يتم اختيارهم بعناية.
سمسار استعماري يرتدي عباءة الوطنية
وبيّن الدكتور منصور أن هؤلاء الوكلاء، تحت مسميات مختلفة كحكام وقادة عسكريين ورجال أعمال مرتبطين بالسلطة، وحتى بعض النخب الثقافية والإعلامية، هم أدوات الاستعمار الاقتصادي الجديد. ففي عالم اليوم، لم تعد الدبابات والمدافع والجيوش الوسيلة الوحيدة لاحتلال الدول وسلب خيراتها، بل أصبح الاستعمار الاقتصادي هو السلاح الأنجح للسيطرة على الدول الضعيفة، عبر شبكات معقدة من الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية والعقود المشبوهة.
وأكد أن هناك وجوهاً أكثر نعومة وأساليب أكثر فتكاً تُدار من خلف مكاتب فاخرة وبتوقيعات رسمية. إنها حروب القتلة الاقتصاديين، أولئك الجنود المجهولون الذين يزرعون الأزمات ويفتحون أبواب الدول لنهب ثرواتها تحت عباءة القروض والاستثمار والتنمية، وذلك من خلال نخبة فاسدة وبنوك متواطئة وصناديق دولية تُغلف الاستغلال بأغطية إنسانية.
كواليس العالم الخفي
وكشف منصور عن كواليس هذا العالم الخفي، حيث تتحول الشعارات البراقة إلى أدوات للنهب، وتُفرض العبودية الاقتصادية بأساليب لا تقل قسوة عن الاحتلال العسكري التقليدي.
من هم وكلاء الغرب المحليون؟
وأوضح منصور أن وكلاء الغرب ليسوا بالضرورة عملاء بالمعنى التجسسي الضيق، بل هم نخبة صُنعت وهُيئت عبر عقود لتكون ذراع الغرب داخل دولها. يتم اختيارهم بعناية من طبقات اجتماعية معينة، وتُفتح أمامهم الأبواب للدراسة في الجامعات الغربية، ويتم إدماجهم في شبكات المال والأعمال الدولية، ليعودوا بعدها ويمسكوا بزمام الاقتصاد والأمن والإعلام والسياسة.
كيف ينفذون مهامهم؟
أوضح منصور أن العملية تبدأ من تفكيك مؤسسات الرقابة والمساءلة في الدولة، والسيطرة على مفاصل الاقتصاد من قبل عائلات الحكم والمقربين منهم. ويتم الاستيلاء على عائدات النفط والغاز والمعادن والمساعدات الدولية وأموال الصناديق السيادية، ليتم تهريبها إلى الخارج عبر شركات وهمية وصفقات فاسدة وتحويلات مباشرة تحت غطاء الاستثمارات.
وجاءت أبرز آلياتهم كالتالي:
1. خصخصة الاقتصاد وتسليمه للأجانب
تعد الخصخصة من أبرز أدوات الاحتلال الاقتصادي، حيث تُجبر الحكومات العربية، تحت ضغط الديون، على بيع أصولها الاستراتيجية لشركات أجنبية بأسعار زهيدة، مما يفقدها السيطرة على مفاصلها الحيوية.
2. نهب الموارد تحت غطاء الشرعية
تُمنح عقود النفط والغاز والمعادن للأجانب بشروط مجحفة، والوكيل المحلي يحصل على نصيبه من الصفقات مقابل تمريرها. رغم الاستثمارات المحلية الشكلية، إلا أن معظم الأرباح تُحول إلى الخارج.
3. إغراق الدولة في ديون مشروطة
يتعمد وكلاء الغرب إغراق دولهم في قروض من المؤسسات الدولية بشروط تكبل الدولة وتجعل قرارها الاقتصادي والسياسي رهينة للغرب.
4. التأثير على السياسات الاقتصادية
من خلال جماعات الضغط والعلاقات مع النخب الحاكمة، توجَّه السياسات الاقتصادية بما يخدم مصالح الشركات الأجنبية على حساب الاقتصاد الوطني.
5. تفكيك المنظومة التعليمية والثقافية
يُروج وكلاء الغرب لسياسات تدمر الهوية الوطنية وتشوّه التعليم ليصبح نسخة مشوهة من النموذج الغربي، بهدف قطع الأجيال عن جذورها.
6. الثقافة الاستهلاكية كأداة استعمار ناعم
يسعى الاحتلال الاقتصادي أيضاً لتغيير أنماط الحياة والثقافة الاستهلاكية، من خلال الإعلام والإعلانات ومنصات التواصل الاجتماعي، لتغليب المنتجات الغربية وإضعاف الهويات الوطنية.
7. قمع الأصوات المقاومة
عبر أجهزة الأمن والقضاء، يتولى وكلاء الغرب قمع أي صوت يفضح هذه المخططات، سواء كانوا معارضين سياسيين أو مثقفين مستقلين.
الخلاصة
يرى الدكتور طارق منصور أن الوكلاء المحليين يتحولون، عبر هذا الدور المزدوج، إلى “سماسرة استعمار” ينهبون بلدانهم لصالح القوى الخارجية، مقابل البقاء في السلطة أو تحصينهم مالياً وسياسياً، وهم يدركون أن استمرارهم مرهون برضى الغرب لا بإرادة شعوبهم.
وأكد أن الاحتلال الاقتصادي هو أخطر أشكال السيطرة الحديثة، لأنه يتم بهدوء ودون طلقة رصاص واحدة، لكنه يسلب الشعوب حريتها ويثقلها بالديون.
وشدد منصور في ختام حديثه على أن مواجهة هذا النمط من الاحتلال تتطلب بناء وعي شعبي حقيقي، وخلق بدائل قيادية مستقلة قادرة على حماية مقدرات الشعوب واستعادة القرار السيادي الوطني. وأكد أن إدراك الشعوب لهذا الشكل من الاحتلال هو الخطوة الأولى للتحرر الحقيقي، مشيراً إلى أن مقاومة الاحتلال الاقتصادي ليست مستحيلة، حيث يمكن للدول العربية تبني سياسات حمائية ذكية، ودعم الاقتصاد المحلي، والبحث عن بدائل للتمويل بعيداً عن القنوات الغربية التقليدية، فضلاً عن تعزيز الوعي الشعبي بأهمية الاستهلاك الواعي والمقاطعة الاقتصادية للمنتجات التي ترهن إرادة الشعوب.