محمود عابدين يكتب: ماراثون الانتخابات البرلمانية 2025 (2)

استكمالا لما بدأناه بنفس العنوان، وأثناء مواصلة حديثي مع بعض الأصدقاء والزملاء عن الحياة البرلمانية المصرية بكل ما فيها من سلبيات وايجابيات، تطرقنا إلى أفكار أشبه بالأوهام، منها على سبيل المثال لا الحصر أنني حلمت كثيرا بيوم أرى فيه:
– المثقفون، المفكرون، العلماء و…. يملؤون مجلس الشعب ( النواب ).
– عالم بحار، عالم فيزياء، عالم كيمياء، عالم زراعة، عالم ري، وعالم طاقة و….. تحت قبة البرلمان بدلا من… ( مع احترامنا طبعا للجميع ).
– أسمع فيه عن قرار رئاسي – تاريخي – استثنائي بتعيين الــ 600 عضوا برلمانيا من: أساتذة الجامعات ومراكز الأبحاث في كافة مناحي العلم والمعرفة، فقديما قالوا:”تبني الحضارات وتزدهر وتسود كل الأمم بعقول العلماء والمفكرين وسواعد الزعماء”.
– قرار جرئ من الرئيس كــ “تجربة” وليدة للنهوض بمصر من خلال خبرائها وابنائها المخلصين، وما أكثرهم، وأخلصهم حبا للوطن وفي الوطن فى شتى المـــجالات.
– بحلم أن نؤجل “حبتين” دخول: الوجهاء والاثرياء وأبناء العائلات وأعضاء الأحزاب الـ ” …. ” وما شابه غير المؤهلين لحمل مسئولية النهوض بالوطن والمواطن والأمتين: العربية والاسلامية في تلك الفترة الحرجة من التاريخ الحديث إلى أن تتعافى مصر من شبح: الإرهاب، المؤامرات الداخلية والخارجية.
– بحلم أن تختفى من الماراثون الانتخابي تلك الوجوه التي لا ترتقي بفهم ووعي المشاهد: السياسية، العسكرية، الاقتصادية، التكنولوجية، و…. العالمية التي تحيط بمصر من كل حدب وصوب، والتي حصدت سابقا أصواتها بالمال السياسي، ودخلت البرلمان في غفلة من الزمن لتسيطر على لجانه، وتسن قوانين تخدم مصالحهم هم لا مصالح الشعب.
– بحلم أن نقرأ ونشاهد عن أعضاء بقيمة وقامة ووطنية ووعي وفكر عباس محمود العقاد ليسنوا لنا وللأجيال القادمة، قوانين تحاسب: اللصوص، الهبيشة الذين انتفخت كروشهم، وامتلأت جيوبهم بمال الشعب دون حسيب أو رقيب، وذلك لمجرد انهم محميين بحصانة برلمانية تمنع محاسبتهم.
– كنت بحلم أن أقابل مرشح: له تاريخ سياسي، اجتماعي، ومشهود له بالنزاهة، وطهارة اليد، وله باع في المشاركة بالشأن العام، ومواجهة الفساد بكل أنواعه وأشكاله، ومحاربته بكل الطرق المتاحة.
– بحلم أن أقابل مرشح: فاهم، وواعي، ولديه برنامج انتخابي قابل للتنفيذ، ومستعد للمحاسبة من ناخبيه كل عام بحد أقصى عما قدمه، وما أخفق فيه، وعن دوره كعضو ينوب عن الشعب في: التشريع والرقابة، وأن يدرك جيدا حجم المسئولة الملقاة على عاتقه امام الله أولا، وضميره ثانيا لحماية أمن: الوطن والمواطن من أي مخاطر.
– بحلم كمان – مجرد حلم – أن يعي الناخب العادي والمثقف على السواء، خطورة وأهمية صوته الانتخابي، ولمن يجب عليه أن يمنحه دون أن يتأثر بأي نوع من أنواع الدعاية الانتخابية التي تلاحقه ليل نهار من: أصحاب المصالح، الأرزقية، ومن يدور في فلكهم لأسباب نعلمها جميعا.
– كما حلمت بوجود عضو برلماني: بجرأة، ثقافة، ووعي، ووطنية السيد. البدري فرغلي – عضو مجلس الشعب لثلاث دورات متتالية عن بور سعيد، ورئيس اتحاد المعاشات الأسبق – والذي تعاملت معه عن قرب لمدة عشرة سنوات تقريبا، هو ككاتب، وأنا كرئيس لقسم الرأي بجريدتي ” الدستور”، ولأنه كان رجلا وطنيا، وبرلمانيا مخضرما بكل ما تحمله الكلمة من معني، فكنت دائما وأبدا أحاوره في قضايا وطنية عديدة سبق وقدم فيها استجوابات، وطلبات احاطة ضد مسئولين كبار.
من ضمن هذه الاستجوابات، قضية القمح ضد وزير الزراعة آنذاك د. يوسف والي، وكانت أول مواجهة تجمعهما، بعد ذلك توالت استجواباته، فكان من أكثر الأعضاء الذين نوقشت استجواباتهم تحت قبه البرلمان ضد عدد لا بأس به من المسئولين فى تاريخ الحياة البرلمانية؛ وكانت أغلبها عن نظام الخصخصة، وبيع شركات القطاع العام و… الأمر الذي تسبب في الإطاحة ببعض الوزارات.
ولا ننسي سهل حشيش بالبحر الأحمر، والذى قدم فيه ” فرغلي” استجواب ضد وزير السياحة وهو متلبس بالحصول على ٤٠ مليون متر مربع بهذه المنطقة، إضافة إلى ٥٠ مليون دولار قرض يدفعها البنك الدولى ليحصل عليها الوزير على حساب الشعب المصري، ومع هذه الفضيحة، تم إقالة الوزير، وتعيينه كرئيس لبنك كبير….!!
كما قدم البرلماني الكبير استجواب، المبيدات المسرطنة، و استجواب الإسكان، إضافة إلى عدد كبير من الاستجوابات وطلبات الإحاطة التي تخص حياة الشعب، وهو ما جعله يحتفظ بمكانه البرلمانية لثلاث دورات متتالية.
– وحلمت أيضا برئيس برلمان بحجم وقيمة وقامة الأستاذ الدكتور. رفعت المحجوب، هذا الرمز الوطني العظيم الذي تختزل له ذاكرتنا جميع مواقفه الوطنية التي كلفته الكثير والكثير، ومن حسن الحظ، أنني فوجئت بتعليق للأستاذ الدكتور أيمن رفعت المحجوب – أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية – على بعض ما كتبته بحق والده الشهيد البطل الأستاذ الدكتور رفعت المحجوب – أسد البرلمان، رئيس مجلس الشعب الأسبق – رحمه الله تعالي وغفر له، طالبا مني الدعاء له، بالطبع دعوت له بالرحمة والمغفرة، ثم أثنيت علي شخصه الكريم لما قدمه من مواقف وخدمات جليلة للوطن والمواطن طوال حياته: الأكاديمية والسياسية والبرلمانية.
من هذه المواقف، سأذكر بعض ما كتبه ابنه البار ا. د. أيمن على صفحته الشخصية ( فيس بوك )، قائلا: “…… في شهر يونيو عام ١٩٧٦، طلب “المحجوب” الاجتماع بالرئيس الراحل أنور السادات ( رحمه الله تعالي )، وكان في هذا الوقت موجود باستراحة القناطر الخيرية، ومعه النائب حسني مبارك، فقال “المحجوب” لـ “السادات” أن “مصر جاهزة لإنشاء المنابر و الأحزاب، إلا أن الوضع الاقتصادي ليس على ما يرام، وعلى الدول العربية أن تدعم اقتصادنا بشكل أكبر لمساعدة الفقراء، ومحاربة الفقر والغلاء، وأن يفتح الأشقاء العرب المجال لصناعتنا المحلية، قطاع: خاص وعام”، ويضيف د. أيمن نقلا عن مذكرات والده:
– وحيث ان الدول العربية النفطية أصبحت غنية وتحتاج منتجات استهلاكية، فمن الأفضل أن المصانع المصرية توفر لهم تلك الاحتياجات، وذلك بسبب القرب الجغرافي، والروابط الكثيرة التي تربط مصر بأشقائها العرب، فأعجب النائب مبارك بالفكرة، إلا أن “السادات” – كعادته – فجاء الحضور، قائلا:
– لا ..لا…لا… الآن الوقت قد حان للانفتاح الاقتصادي على الغرب ..!!، فرفض المحجوب بشدة تلك الفكرة، وقال:
– سيادة الرئيس؛ الوقت غير مناسب، فالصناعة المحلية مازالت وليدة و المنتج المحلى لن يقدر على المنافسة العالمية، انت ترمي بطفل ليصارع عمالقة…..!!!!!، و هكذا سوف تصبح مصر سوق للسلع الاستهلاكية، و لن نقيم مجتمع المنتجين أبدا…….!!!، و سوف نخلق طبقة اجتماعية طفيلية من المستوردين، والسماسرة، والخدمات غير الإنتاجية…!!!، ويتابع د. أيمن:
– وهذا كان آخر مجلس يجمع بين “السادات ومبارك والمحجوب” بصفة رسمية ، ثم خرج “المحجوب”، وعاد إلى منزله، و كان يعلم، أن ذلك اليوم، هو آخر أيامه بالعمل العام فى عهد الرئيس السادات….!!!!، و فى اليوم التالى قرأ “المحجوب” فى الصحف ان الرئيس السادات قد أعفاه من منصبة، و قد رشحه لكي يكون أمينا عاما للجامعة العربية……!!!!!، الا ان “المحجوب” طلب من رئاسة الجمهورية ان ترفع طلب للرئيس السادات يوضح أن رفعت المحجوب – أستاذ الجامعة – يرغب فى العودة الى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية للتدريس، و قد وافق “السادات”، وعاد “المحجوب” الى الجامعة مرة أخري، ليصبح رئيسا لقسم الاقتصاد عام ١٩٧٧، ثم عميدا للمرة الثانية عام ١٩٨١ لنفس الكلية، ويواصل د. أيمن:
– بعد استشهاد “السادات”، لم ينس “مبارك” – رحمه الله – بعد توليه الرئاسة، افكار ونهج د. رفعت المحجوب التي تعلم منه الشيء الكثير، فطلب من “المحجوب” تنظيم المؤتمر الاقتصادي الاول لمصر عام ١٩٨٢ ، ثم تم تعيينه مستشارا اقتصاديا لرئيس الجمهورية فى عام ١٩٨٣، و أخيرا رئيسا لمجلس الشعب حتي استشهاده فى اكتوبر من عام ١٩٩٠.. وللحديث بقية