ماراثون الانتخابات البرلمانية 2025

بقلم محمود عابدين
في أجواء جلسة ودية جمعتني بعدد لا بأس به من الأهل والأصدقاء، دار بيننا حديث وطني مهم للغاية عن بعض الأسماء التي شاهدنا صورها معلقة على الطرق، استعدادا لخوضهم الانتخابات البرلمانية القادمة، وهنا تذكرت ما قرأته لوزير الأوقاف السابق محمد مختار جمعة عندما أكد: علي ان “المشاركة الإيجابية في الاستحقاقات الدستورية من صميم الواجب الوطني، وأن الإدلاء بالصوت أمانة ينبغي على كل إنسان أن يعطيه لمن يستحقه ممن يراه قادرا على تحقيق مصالح البلاد والعباد، وعلينا أن نُري العالم كله مدى وعينا الوطني وقدرتنا على الممارسة الديمقراطية في أعلى درجاتها، وبما يكشف عن عمق تاريخ وحضارة هذا الشعب العظيم، وحرصه على مواصلة مسيرة البناء والتعمير لوطننا العزيز، وعلى كل منَّا أن يدرك أن صوته مؤثر في مصير وطنه من جهة وصورته الحضارية من جهة أخرى، وأن صوته أمانة، وأن واجبه أن يعطيه لمن يراه أهلًا لتحمل الأمانة بكفاءة واقتدار” وهنا تساءل بعضنا عن الصفات الواجب توافرها في هذا المرشح، فتلخصت الإجابة في:
– ضرورة إلمامه بثقافة قانونية معقولة، أن يكون على دراية بالقانون والدستور معا، أن يكون متحدثا مفوها فيما يخص قضايا الوطن، أن يكون من أصحاب السمعة النظيفة، أن يكون له باع في محاربة الفساد، ألا يسعي لتحقيق مصالح شخصية من منصبه، أن يتسم بالمرونة والجدية والقدرة على تطوير الأداء، ذا شعبية كبيرة، أن يكون له ظهير سياسى، متابع جيد للأحداث السياسية والمجتمعية، المحلية والإقليمية والعالمية، لديه القدرة – دون ملل أو ضجر – على تأدية دوره: التشريعي، الرقابي، الخدمي أيضا، وأن يكون ذا كفاءة عالية، ومتفهم للواقع السياسى والاجتماعي والاقتصادي.
تطرقنا أيضا في الحديث عن تألق قدماء المصريين الحضارى، كأول شعوب الأرض التى رسخت قواعد الأخلاق في حضارتهم، وجعلتها جوهرها نحو: الحق والخير والعدالة، كمعيار خلقى عام ينظم: الكون، والمجتمع، وحكم علاقة الفرد بغيره، إضافة إلى حكم علاقة الحاكم بالمحكومين، وبغيره يختل النظام الكونى، ويؤول المجتمع إلى حالة من الفوضى الشاملة، شاهد على ذلك بعض الحكم الأخلاقية التى تركها المصريون القدماء على جدران القبور، أو على صفحات أوراق البردى، مثل قول الفلاح الفصيح “احذر أن الأبدية تقترب”، وقول مريكا رع “فضيلة الرجل المستقيم أحب عند الله من ثور يقدم قربانا من الرجل الظالم”.. كما نقلت عن نص مصرى قديم” لا تكثر السعى من أجل نفسك حتى لا تصبح مكروها”.. ( الأخلاق فى الفكر المصرى القديم ) كتاب د. شاهيناز زهران.
بعد ذلك ذكرنا بعض المميزات التي يحصل عليها النائب، مثل: الحصانة العامة بنص المادة 30 من الدستور، احتفاظ النائب بوظيفته بنص المادة 31، فإذا كان النائب وقت إنتخابه أو تعيينه من العاملين في الدولة وقطاع الأعمال العام، يتفرغ للمجلس مع الإحتفاظ بوظيفته الأساسية، مكافأة عضوية بنص المادة 34، علي أن يتقاضي عضو مجلس النواب مكافأة شهرية قدرها 5000 جنيه يتم صرفها بعد أدائه حلف اليمين، مكافأة الرئيس والوكيلين نص المادة 35 ، تسهيلات عضوية بنص المادة 36، كما يتم منح مكافأة قدرها 30 ألف جنيه فور فوز عضو المجلس بالعضوية وتصرف من الدولة، أما عن إمكانية التفتيش بالمطارات وغيرها من الأماكن العامة فهو بمجرد إبراز كارنيه العضوية يتم تدارك الأمر، كما يحصل عضو النواب علي خصومات مميزة من وزارة الإسكان عند شرائه أرضا أو عقارا، ويتم منح كل نائب 10 تأشيرات للحج و 10 أخري للعمرة كل عام يمكن له أن يفيد بها أسرته والمقربين منه، ولم تغفل التسهيلات البنكية أيضا فهو له الحق في الحصول علي قرض لا تتجاوز قيمته 50 ألف جنيه مع منحه تيسيرات في السداد والفوائد، كل هذا إضافة إلي إعطائه 500 جنيه نظير كل جلسة يحضرها ليصبح راتبه الشهري ما يقرب إلي 25 ألف جنيه.
وجاءت الإشارة في الحديث إلى أهمية وخطورة حامل لقب “النائب البرلماني” كصدي صوت للشعب، في التعبير عن: أحلامهم، وطموحاتهم، ويسهم بشكل كبير في كشف أحداث الواقع اليومي لهم إلي الحكومة، ويكون أيضا الدرع الواقية لناخبيه في مختلف: الكوارث، والنكبات التي قد تحل عليهم، أو على فئة ما منهم، ولا سيما أبناء دائرته السكنية، فوظيفة نائب البرلمان ليست سهلة – كما تبدو للنائب نفسه، أو للآخرين – بل يحمل علي عاتقه مسئولية كبري وجدت من ثقة داعميه والأمل الدائم في تحقيق مستقبل أفضل للمجتمع المصري ككل، والسؤل هنا: هل واقعنا الحالي، والسابق يؤكد ذلك؟.. الإجابة هنا متروكة للقارئ.
وحتى تكون الإجابة منصفة، كان لابد أن نذكر بعض الهفوات التي شابت البرلمان عن طريق قلة قليلة من أعضائه – بحسب جريدة وموقع البوابة نيوز بتاريخ 30 – 6- 2021 – تحت عنوان ” بالأسماء.. قضايا هزت البرلمان المصري “، حيث كشفت بعض التحقيقات فضيحة هزت الراي العام في سنة 1990، عرفت – حينها – بـ ” نواب الكيف “، وذلك بعد أن استغل بعض نواب البرلمان وقتها سلطاتهم ونفوذهم وتاجروا في المخدرات، ففى 2002 اتخذ مجموعة من النواب الحصانة التي يوفرها لهم المجلس في سلب حقوق الآخرين، فكشفت التحقيقات أن هناك مجموعة من النواب يصل عددهم إلى 11 عضوًا خرجوا عن الإجراءات القانونية الخاصة بالقروض، وكان من بينهم أسماء لكبرى العائلات.
وفي عام 2005 هزت قضية الدعارة الأشهر البرلمان المصري، ولقب نواب البرلمان ” بنواب سميحة” ويرجع هذا اللقب إلى قصة تعارف مجموعة من نواب دائرة الغربية وقتها على فتاة ليل تدعى ” سميحة”، وانتشر الخبر بسبب تراجع بعضهم عن سداد أجرتها الأمر الذى جعلها تفشى السر لغيرهم من النواب حتى أصبحت ” قصة الموسم” وفتح تحقيق في هذا الأمر بشكل رسمي، وخلال عام 2010 كشف الجهاز المركزي للمحاسبات، عن أسماء مجموعة من أعضاء البرلمان، تورطوا في الحصول على قرارات علاج على نفقة الدولة، بإجمالي مبالغ تجاوزت ربع مليار جنيه، دون وجود تقارير طبية ثلاثية، للعلاج في مستشفيات خاصة بعينها، حاول كل حزب أو تيار داخل المجلس نفي التهمة عن نوابه، تورط في القضية عدد من المسئولين بوزارة الصحة.
ولا يخفي على الباحث عن الحقيقة للصالح العام، وليس لأي سبب آخر، سجل نواب مجلس الشعب المليء بالقضايا التي هزت الرأي العام، والتي اتخذت فيها الدولة والمجلس إجراءات قانونية، لرفع الحصانة عن النواب المتورطين في هذه القضايا، مثل القضية التي تسبب في قتل 1200 شخصا، هم ضحايا العبارة السلام المعروفة باسم عبارة الموت، والنائب البرلماني، الذي اتهم ببيع مئات الآلاف من عبوات الدم الملوثة، تنتجها شركة باسم “هايدلينا”، وقد تم حبس صاحبها لفترة ثم صدر له حكم بالبراءة إلى أن ظهرت أدلة إدانة جديدة فأعيدت محاكمته من جديد ثم حصل في الأخير على حكم براءة.
كما احترف عدد من النواب المتاجرة بمقدرات الجائعين فيمن أطلق عليهم نواب التأشيرات، والذين باعوا كل التأشيرات بما فيها تأشيرات حج بيت الله الحرام تلك التي تخصصها الدولة لأعضاء المجلس بالمجان لإهدائها لأبناء دائرتهم، كل هذه القضايا وأكثر، واجهت نواب مجلس النواب الذين استغلوا الحصانة في ارتكاب مخالفات والحصول على مميزات، على حساب أبناء دوائرهم والشعب، وفي عهد أحمد فتحي سرور كشفت تقارير المحكمة الدستورية العليا موقف نواب البرلمان الذين هربوا من أداء الخدمة العسكرية، الأمر الذى يؤكد بطلان عضويتهم، ومن ثم إحالة التقرير للجنة التشريعية وكانت فاجعة رجت أجواء البرلمان.. ختاما، أنصح الناخب بألا يمنح صوته إلا لمن يرتاح له ضميرك بعد التأكد من أمانته على: وطنه، عروبته، ودينه.. وللحديث بقية.