جامعة الوادي الجديد تناقش أزمة العلوم الإنسانية في المجتمعات المعاصرة

علاء حمدي
في إطار رؤية جامعة الوادي الجديد حول تحديث الفكر الإنساني، ونشر الثقافة، وحرصها على معالجة أحدث القضايا والمستجدات المرتبطة بواقع المجتمع، نظمت كلية الآداب ندوة تثقيفية بعنوان “أزمة العلوم الإنسانية في المجتمعات المعاصرة: التحديات والآفاق”، وشهدت الندوة حضورًا كبيرًا من أعضاء هيئة التدريس، والطلاب، والباحثين المهتمين بمجالات العلوم الإنسانية.
وذلك برعاية كريمة من الأستاذ الدكتور عبد العزيز طنطاوي رئيس جامعة الوادي الجديد، والأستاذ الدكتور/ مصطفي محمود مصطفي – المشرف علي قطاع شئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وإشراف الأستاذ الدكتور/ محمد عبد السلام عباس -عميد كلية الآداب، وعناية الأستاذ الدكتور/ عاطف عبد العزيز- وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، والأستاذ الدكتور/ محمود محارب أمين – وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، ومتابعة أ.م.د / خلف بدوي العفدري- منسق الأنشطة الطلابية بالكلية، وحاضر فيها الدكتور محمد أحمد فهمي أستاذ التاريخ اليوناني والروماني المساعد بقسم التاريخ ومدير وحدة ضمان الجودة بالكلية.
وخلال كلمته الافتتاحية، أكد الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام عميد الكلية على أهمية العلوم الإنسانية في فهم التحديات التي تواجه المجتمعات الحالية، مشيرًا إلى أن هذه العلوم تؤدي دورًا حيويًا في تعزيز التفكير النقدي، وتطوير الهوية الثقافية.
وأضاف دكتور محمد فهمي أستاذ التاريخ اليوناني والروماني المساعد، أن العلوم الإنسانية تركز على دراسة الإنسان، ثقافته، تاريخه، أفكاره، وإبداعاته عبر العصور. وهي تختلف عن العلوم الطبيعية والتطبيقية بكونها لا تسعى إلى تفسير الظواهر عبر قوانين رياضية أو تجارب معملية، بل تعتمد على الفهم النقدي، التأويل، والتحليل للقيم الجمالية، الأخلاقية، والفكرية التي شكلت الحضارة الإنسانية.
ثم تطرق إلى الدور التاريخي للعلوم الإنسانية في بناء الحضارات حيث تؤدي العلوم الإنسانية وعلماؤها دورًا محوريًا في تشكيل الحضارات الإنسانية عبر العصور، حيث كانت بمثابة الروح الفكرية والثقافية التي حفظت هوية الأمم، ونقلت تراثها، وطورت مفاهيم العدالة، الأخلاق، والجمال. وصاغت النظم السياسية والاجتماعية، فهي تمثل الإطار الفكري للحضارة وترسخ النسق الأخلاقي والقيمي للمجتمع صانع الحضارة.
أما عن أسباب تراجع دور العلوم الإنسانية في المجتمعات المعاصرة حيث يشهد العالم المعاصر تراجعًا ملحوظًا في مكانة العلوم الإنسانية (الفلسفة، التاريخ، الأدب، الفنون، علم الاجتماع، إلخ) مقارنةً بالعلوم التطبيقية والتكنولوجية. فيمكن إرجاع أسباب هذا التراجع إلى عدة أسباب: منها الهيمنة الاقتصادية والنفعية (سيادة النموذج الرأسمالي) الذي طغت قيمه على العلم فأدت إلى تسليع العلوم والمعارف، وانتشار ثقافة “التعليم من أجل الوظيفة” بدلاً من التعليم من أجل المعرفة أو التنوير؛ ومن ثم تفضيل التخصصات ذات العوائد المالية السريعة (مثل الهندسة، الطب، الذكاء الاصطناعي) على حساب الفروع الإنسانية التي يُنظر إليها على أنها “غير مُربحة”.
ومنها الثورة التكنولوجية والرقمنة وما ترتب عليها من انتشار المحتويات المعرفية السريعة كبديل عن القراءة العميقة والتفكير النقدي، ومنها السياسات التعليمية الحكومية التي ربطت إصلاح التعليم بخدمة السوق بديلا عن خدمة المجتمع، ومنها التحولات الثقافية والفكرية في العالم المعاصر مثل انتشار النزعة العلموية ( Scientism ) وما ترتب عليها من الاعتقاد بأن العلوم الطبيعية هي المصدر الوحيد للمعرفة الموثوقة ومنها العولمة وتآكل الهويات المحلية نتيجة لتبني مناهج تعليمية موحدة تهمش الثقافة والتراث المحلي. ومنها أسباب تتعلق بالعلوم الإنسانية نفسها كالعزلة والتنظير وعدم ارتباطها في كثير من الأحيان بقضايا المجتمع.
أما عن الآثار المترتبة على تهميش العلوم الإنسانية في المجتمع وعلى رأسها أزمة الهوية فإهمال دراسة التاريخ يؤدي إلى جهل الأجيال الجديدة بجذورها الحضارية وظهور نزعات التقليد الأعمى للغرب أو الانغلاق على تفسيرات دينية متطرفة بسبب غياب النقد التاريخي. ثم انهيار القيم الاجتماعية والأخلاقية وانتشار التحلل الأسري والأخلاقي، وظهور التبعية الفكرية باستهلاك المعرفة بدلا من إنتاجها.
واختتم المحاضر حديثه بطرح آفاق للحلول تمركزت حول تحديث مناهج البحث في العلوم الإنسانية لربطها بقضايا المجتمع وإشكالاته، ودمج العلوم الإنسانية بالتكنولوجيا، وإصلاح السياسات التعليمية والتمويل، والتوسع في إنشاء المراكز البحثية المتخصصة، وتعزيز الحضور الإعلامي والثقافي لرواد العلوم الإنسانية واستعادة دورهم في تشكيل الرأي العام كبديل لنجوم السوشيال ميديا، وأكد في كلمته الأخيرة أن العلوم الإنسانية هي روح الحضارة وبدونها تصبح الحضارة هياكل مادية مصمتة وأنها الضامن الوحيد لإنسانيتنا في عالم آلي متسارع.