هل ما يحدث في كشمير وغزة واليمن وسوريا صدفة؟!

بقلم ناصر السلاموني
كشمير، غزة، سوريا، العراق، اليمن، لبنان ‘السودان’ ليبيا… ما عادت هذه البلاد مجرد نقاط مشتعلة على خارطة المسلمين، بل باتت ساحات مكشوفة لمعارك كبرى تُرسم فيها ملامح القرن القادم. فكل جبهة ملتهبة لا تتحرك بمعزل عن الأخرى، وإن اختلفت الشعارات واللاعبون، فإن الأجندات العليا واحدة، والهدف النهائي واحد: تفتيت الأمة، وإنهاء فاعليتها، وتهيئة الأرض لمشاريع كبرى لا مكان للعرب والمسلمين فيها إلا كأدوات أو ضحايا.
في فلسطين، يُساق شعب غزة إلى الجوع والموت والتشريد، في واحدة من أعتى موجات التصفية العرقية في العصر الحديث، وجميع دول أوروبا وأمريكا وغيرها من شعوب العالم التي تُدعى بالمتحضرة، ومنظمات وهيئات دولية، في صمت مريب يكشف عما تضمره لنا من حقد دفين.
وفي سوريا، تُستنزف البلاد بصمت، تحت وطأة التقسيم، والتجويع، والحصار، والإبقاء على دوامة الفوضى، حتى تم تدمير الجيش والشرطة والمؤسسات، واستُبيحت سماؤها وأرضها.
العراق تذوب هويته، وتُسلَب ثرواته في صراع ظاهر، ويُقسَّم إلى دويلات، لكنه في حقيقته يتشابه مع ما يحدث في اليمن ولبنان وليبيا والسودان، وكأن الخارطة تُرسم من جديد وفق نسق لا يعرف نظام الدولة، ولا يعترف بالسيادة، بل يفرض مناطق نفوذ على أساس الولاء، لا الانتماء، للقوى الخارجية.
أما كشمير، فهي الجبهة الصامتة، حيث يُباد شعب بأكمله ثقافيًا، وتُزال هويته الإسلامية أمام أعين العالم، تحت سلطة حكومة هندية قومية متطرفة، تتحالف مع إسرائيل في تبادل الخبرات الأمنية والتكنولوجية بل وتمدها بالأسلحة بسخاء وأكبر دليل على ذلك ما صرحت به باكستان إسقاط 25طائرة مسيرة أطلقتها الهند إسرائيلية الصنع، وتبني على الأرض مشروعًا لا يستهدف المسلمين وحدهم، بل يستهدف تغيير ميزان القوة في آسيا والشرق الأوسط. لقد كنا منذ سنوات نرى إبادة جماعية كاملة في الهند لقرى مسلمة بالحرق، والإغراق في مياه الأنهار، والتهجير، وكنا نرى العالم صامتًا كما نراه الآن أمام ما يحدث في غزة، فالعدو واحد، ولكن نحن شعوب استجبنا لتغييب عقولنا، وأصبحت ذاكرتنا ذبابية.
ليس من باب المصادفة أن تتلاقى مشاريع الهند وإسرائيل وأمريكا وبعض الدول الخليجية في إنشاء ممر تجاري يبدأ من المحيط الهندي، ويعبر الإمارات والسعودية والأردن، ليصل إلى ميناء حيفا، ثم إلى أوروبا. فهذا المشروع ليس طريقًا للتجارة فحسب كما يُصرَّح به، بل مسارًا استراتيجيًا يعيد توزيع النفوذ العالمي، ويجنب قناة السويس وظيفتها، ويُقصي مصر والعراق وسوريا جانبًا، بل ويجعل من إسرائيل مركزًا لوجستيًا واقتصاديًا، تمهيدًا لهيمنة إقليمية شاملة على دول المنطقة،و يصبح لها دورا مؤثر دوليًا :سياسيًا كان أم اقتصاديًا، فهى مخطط لها أن تصبح الدولة الكبرى في المنطقة.
تتقدم الهند في هذا المشروع بدعم أمريكي مباشر، تسعى من خلاله لمحاصرة باكستان، وتوسيع نفوذها في الخليج. وتتقدم إسرائيل لتنفيذه كأداة ذكية، تجمع بين التكنولوجيا والعلاقات المتشابكة، وتُقدَّم نفسها للعالم كمرتكز للاستقرار، بينما هي في الواقع نواة تفتيت محيطها، وتهميش خصومها.
يبدو واضحًا أن المشروع لا يمكن له أن يمر إلا بتفكيك الجبهات القوية، ولذلك يُستهدف الشعب الفلسطيني بالإبادة، ويُحاصر اليمن بالحرب، وتُستنزف سوريا بالدمار، وتُربك العراق بالميليشيات والتقسيم، ويُخنق لبنان بالحصار وإحياء الخلافات المذهبية والطائفية والعرقية والسياسية، وتُعزل كشمير بالقمع والإبادة، لأن كل نقطة مقاومة في هذه الخريطة هي حجر عثرة أمام تنفيذ المشروع القادم.
كل ذلك يدفعنا إلى سؤال مصيري: أين الأمة من كل ما يحدث؟ وأين العرب من هذه التحالفات؟
بينما تتشكل جبهات جديدة تضم الهند وإسرائيل وأمريكا، مقابل محور تقوده الصين وروسيا وإيران وباكستان، يظل العرب دون مشروع، دون وحدة، دون بصيرة، وكأنهم غائبون عن لحظتهم التاريخية. فهم ليس لهم كلمة، ولا يُسمع لهم رأي، بل إمّعة تابعون لغيرهم.
وفي قلب هذه اللوحة، تبرز مصر، لا كمتفرج، بل كقائد وموجه ومحور في آنٍ واحد. فمصر هي العقدة الجغرافية التي يحاول المشروع الجديد الخبيث الالتفافي تجاوزها، وهي الثقل التاريخي والديني الذي لا يُراد له أن ينهض.فإن أي نهضة مصرية حقيقية تهدد كل مشاريع الالتفاف والتطويق.
مصر هي الحصن الذي إن صمد، ارتبك المشروع، وإن سقط – لا قدر الله – تساقطت بقية الحصون تباعًا. ولهذا كان استهدافها قديمًا وحديثًا، وكان إقصاؤها من المشاريع الكبرى غاية لكل متآمر.
إن المعركة الدائرة الآن ليست معركة حدود، بل معركة هوية ومصير. وليست صراع موارد فحسب، بل صراع إرادات ومشاريع كبرى، تُدار فيها الجغرافيا لخدمة مصالح الغرب والشرق معًا. ولذا فإن الصمت لم يعد موقفًا، بل صار مشاركة في الهزيمة.
إن الأمة مطالبة الآن، لا بأن تبكي على ضحاياها، بل بأن تستيقظ من غفلتها، وتفهم أنها في عين العاصفة. وإن لم تنهض من داخلها لتحمي نفسها، فلن يرحمها أحد من الخارج.
وليعلم المتآمرون أن مصر صخرة عتية تتحطم عليها أحلام الغزاة؛ فقد تحطم عليها الحلم الفارسي، والروماني، والصليبي، والفرنسي، والإنجليزي، وأخيرًا الصهيوني. وإن شاء الله تظل رايتها مرفوعة ترفرف بالكرامة.
–