رحاب فتحي تكتب.. صلة الرحم والدم “فريضة إنسانية قبل أن تكون دينية”

صلة الرحم ليست مجرد واجب ديني أو أمر أخلاقي، بل هي فطرة إنسانية زرعها الله في قلوب البشر منذ بداية الخلق. إنها الرابط المقدس الذي يجمع بين الأفراد بالدم والنسب، وهي صلة لا تُشترى ولا تُعوّض. ومن هنا جاءت أهميتها في حياة الإنسان، فردًا ومجتمعًا.

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وصلة الرحم هي الحبل الذي يشدّ هذه اللبنة ويحفظ تماسكها. حين يقوَى هذا الحبل، تتماسك المجتمعات وتنتشر المحبة، وحين ينقطع، تسود القطيعة وتشيع الفتن والعداوات.
جميع الديانات السماوية نادت بصلة الرحم، واعتبرتها من أساسيات التعامل الإنساني. في الإسلام، وردت آيات وأحاديث كثيرة تأمر بصلة الرحم، وتتوعد من يقطعها. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة قاطع رحم”. وفي القرآن الكريم قوله تعالى: “الذين يَنقُضونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ، ويَقطَعونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ويُفسِدونَ في الأرضِ، أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ ولَهُم سوءُ الدّارِ”.
في المسيحية أيضًا، نجد دعوات صريحة للمحبة والمسامحة، والعطف على الأقارب. يقول الكتاب المقدس في رسائل بولس: “إن كان أحد لا يعتني بخاصته، ولا سيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان، وهو شر من غير المؤمن“.
أما في اليهودية، فقد حثت التوراة على برّ الوالدين والإحسان إلى الأقرباء، وجعلت ذلك من أعظم الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى الله.
ومع ذلك، نرى اليوم انتشار القطيعة بين الأقارب، بسبب خلافات تافهة أحيانًا، أو بسبب المال والميراث، أو الحسد، أو حتى سوء الظن. وكم من أب مات وهو غاضب من أبنائه، وكم من إخوة يعيشون كالغرباء! وهذا ما يحذرنا منه الدين، لأن القطيعة لا تجر إلا الحسرة والندم في الدنيا، والعقاب في الآخرة.
صلة الرحم ليست فقط بالكلام أو السلام، بل بالفعل والمشاركة والسؤال والاهتمام. حتى وإن أخطأ القريب، فإن الأصل هو التسامح، لأن القطيعة لا تُصلح ما فسد، بل تزيده فسادًا.
في النهاية، صلة الرحم لا تُثقل كاهلنا، بل تُنير دربنا، وتزيد من بركة أعمارنا وأرزاقنا، كما وعد الله في كتابه وعلى لسان رسوله. فلنمدّ أيدينا، ونتجاوز الأحقاد، ونُحيي ما مات من صلات، لعلّ الله يرضى عنا، ويجعل بيوتنا عامرة بالمحبة والسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى